رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

لماذا بدأ عرفات بقمع الفساد؟

بقلم: داني ربنشتاين

على نحو مفاجئ، بدأ رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ومسؤولون كبار آخرون في السلطة حملة قمعية ضد الفساد بين عناصر القيادة الفلسطينية· فلماذا في وسط كل هذا العنف الحالي قرر عرفات ومسؤولوه التركيز على حالات مشبوهة بالفساد؟

 

هجمة القادة الفلسطينيين على الفساد

 

هناك ثلاث حالات استدعت هجمة القادة الفلسطينيين على الفساد: الأولى، وهي الأكثر علانية تتصل بجاويد العضين وهو عضو بارز في القيادة الفلسطينية كان حتى قبل بضع سنوات وزير مالية منظمة التحرير الفلسطينية· هذا الرجل المولود في الرملة المنتمي إلى عائلة فلسطينية بارزة عاش فترة في لندن ثم في دولة الإمارات العربية المتحدة· وكان يعتبر شخصاً ثرياً جداً إلى حين خسارته في الآونة الأخير مبلغاً كبيراً من المال في صفقات خاسرة في أوروبا الشرقية· فقبل بضع سنوات منحته منظمة التحرير قرضاً قيمته ستة ملايين دولار رفض الآن إعادته· وفي الآونة الأخيرة أوقف في أبوظبي التي وافقت على إبعاده إلى منطقة الحكم الذاتي· وكيف نقلوه من أبوظبي إلى غزة؟ الظروف غير واضحة·

القضية الثانية تتصل برجل أعمال فلسطيني - لبناني هو علي الصفدي الذي تلقى 12 مليون دولار من السلطة الفلسطينية لتنفيذ عدد من المشروعات في الأراضي الخاضعة لسيطرتها· وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلن وزير العدل الفلسطيني فريح أبو مدين أن الصفدي أعطى رشاوى تقارب مليوني دولار لمسؤولين فلسطينيين كبار بمن في ذلك "واحد لم يعد موجوداً بيننا" (ويعتقد على نطاق واسع أن الشخص المقصود هو هشام مكي رئيس هيئة التلفزيون الفلسطينية الذي اغتيل في مدينة غزة في يناير الماضي برصاص فريق إعدام يقال إن السلطة الوطنية تقف خلفه) ويشتبه في أن الصفدي الذي استولى على بقية الأموال سرق ملايين الدولارات في مصر أيضاً· ويبحث الفلسطينيون عنه، وقد طلبوا من السلطات اللبنانية أن تجمد أرصدته·

في القضية الثالثة أصدرت السلطة الفلسطينية أمراً رسمياً بإلغاء صفقة قيمتها 40 مليون دولار تتصل بشراء أجهزة كمبيوتر جديدة لمكاتبها· واستناداً إلى بيان فلسطيني ألغيت الصفقة مع شركة أمريكية بعدما تبين أن مسؤولاً فلسطينياً كبيراً عين أخاه مديراً للمشروع· وفي الأسبوع (قبل) الماضي أعلن عرفات أنه "من الآن فصاعداً لن تجر أي معاملة تخص السلطة الفلسطينية من دون إجراء مسبق لمناقصة يصادق عليها خمسة وزراء فلسطينيين"·

هناك إحساس عام أن عرفات قرر التركيز على محاربة الفساد من أجل تقوية مكانته في عيون الرأي العام الفلسطيني· فمثل أي سياسي مجرب - وتحديداً مثل أي زعيم إسرائيلي - صار عرفات أكثر اهتماماً بالقضايا الداخلية مما هو على الساحة الدولية· فتوازن القوى بين الحركات السياسية الناشطة في الضفة الغربية وقطاع غزة والمشكلات في داخل حركته "فتح" تهمه أكثر من التشوش في الحكومات الإسرائيلية والمبادرات السلمية العربية أو المشكلات في الإدارة الأمريكية الجديدة·

 

عرفات يخشى "الأكثرية الصامتة"

 

من الناحية الظاهرية على الأقل يبدو أن هيبة عرفات صارت أكثر قوة باطراد في أشهر المواجهات العنيفة للانتفاضة الحالية وعلى نحو ما يحدث في إسرائيل، حيث أدت الظروف المحيطة بعملية السلام إلى تكوين حكومة وحدة وطنية، ونشأ إجماع وطني وسياسي واسع داخل الأراضي الفلسطينية في ما يخص مواصلة الانتفاضة· وبرغم ذلك، يخشى عرفات ومسؤولوه الكبار من أن "الأكثرية الصامتة" في الضفة الغربية وقطاع غزة التي عانت حرماناً كبيراً بفعل انتفاضة الأقصى يمكن أن تكسر الصمت فجأة·

يوم السبت الماضي أعلن رئيس مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني الدكتور حسن أبو لبدة أن مليون فلسطيني (أي ثلث سكان الأراضي) يعيشون تحت خط الفقر· وهذا رقم أحدث قلقاً عظيماً لدى القادة الفلسطينيين ولتدارك هذا الوضع، ينبغي على عرفات وحكومته أن يظهروا للرأي العام الفلسطيني أنهم يفعلون ما في وسعهم لمنع المسؤولين الكبار الفاسدين من سرقة خزائن السلطة التي فرغت أساساً·

كان المواطن الفلسطيني العادي يتهم في السنوات القليلة الماضية مسؤولين كباراً في السلطة بالفساد· والآن صار الموقف حرجاً بقدر خطير بل خطراً، فصار ينبغي على القادة الفلسطينيين لاسيما عرفات أن يظهر للشعب أنهم يؤدون دوراً حيوياً في محاربة الفساد وأنهم يتحلمون جزءاً من عبء الوضع الحالي - على الأقل في مراقبة احترام قواعد السلوك الحكومي·

"هآرتس"

طباعة