رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 يونيو 2006
العدد 1732

وتد

هل أتاكم حديث "البحر···"؟

 

نشمي مهنا

اسمي "البحر يستدرجنا·· للخطيئة"·

وُلدتُ للتو، بعد رحلة طويلة مضنية، قُذفتُ أخيرا بأيدي "قابلاتي" الأربعين، وما زالت نسخي الأخرى هناك في بيروت تنتظر أيادي أخرى·· فمن أين أبدأ؟

بدايتي هي بداية صاحبي، عندما لمعت فكرة نشري (قبل عامين) في عقله··

جمَع أشلائي، القديم منها والحديث، وأخفى أخوات لي أخريات في أدراجه وأرفف مكتبته الفوضوية (قد يُضيع بعضها!)· كأنه انتبه فجأة لضرورة النشر، لملمني، صحّحني، وبوّب بعضي الى ثلاثة مداخل، بعدها فرّغني في بطن "ديسك"·· بعد أن طبع فيه نسخا، عرض إحداها على صاحب دار نشر هنا في الكويت، عُرف عن هذا الناشر، تقدميته، والتزامه الأخلاقي والمهني، ومستوى الجودة في منشورات داره، نشرني هذا الناشر على مكتبه ذات مساء، يفتّش بين أحرفي، ولأوضح لكم بجملة اعتراضية أطول من لحية "طالبانية" - أن قراءة الناشر لي كانت في أجواء الجزر والذبح الرقابي على أيدي أصولي البلد، وتحت ضرب مقاصل المحاكمات (البغدادي، وليلى العثمان، وعالية قبل حجابها "الحداثي") لذا رفض بعض كلماتي، كي لا يصطدم بدمغة "الممنوع الكويتي"!

بعد ذلك بأيام راسل صاحبي دار نشر في سورية، أياما ووافقت على طباعتي، إلا أن إجراءاتها وإهمالها أخذ "مدى" لا يطاق، سلّمني مرة أخرى بيدي ليلى العثمان الناعمتين ليوصلني مرة أخرى إليهم·· وجاءت بالتسويف·· غضب صاحبي، فأبحرتُ وحدي الى عاصمة الجمال - بيروت، أسابيع مليئة بعطل الأعياد وأيام الآحاد·· ووصلت مخنوقا بين غلافي كتاب··

في اليوم الأول طار بي الى إدارة الرقابة - وزارة الإعلام سلّم المسؤول الرقابي نسخة مني، وعده المسؤول بالاتصال به في الغد - لن أحكي لكم ماذا فعل بي هذا الموظف الرقابي في ذلك المساء! في صباح  اليوم الثاني كان صاحبي أمام مكتب الرقابة، استلمني وقد ارفقت معي ورقة "تجيزني"·· مع تهاني وتبريكات تتابعت على لسان الموظف، أعاد صاحبي الاستفسار للتأكد··! وخطف شهادة ميلادي من يده··

ها أنا الآن بأرضكم، طبعتني تروس مطابع لبنانية ضغطت حروفي وكدَّسَتْها على بعضها، رشَّتْ حبرها على أضلعي، ووُلدتُ كإصدار بيروتي بنفَسٍ كويتي·· دون خطيئة!

سارع صاحبي بكتابة إهداء على أول نسخة لي، سماها "فاتحة الإهداءات"، وأوصلها الى أستاذه في الشعر (الوقيان)، أهدى عشرا من أخواتي "المستنسخات" الى زملائه الصحافيين ليعلنوا ميلادي·· تخيّلت لحظتها أنه سوف يذبح عقيقة!

عرض (ابن علام) على مرايا صفحته الثقافية أول مشهد من مفاتني على الملأ·· (فضيحة مرغوبة جدا ومشوِّقة!)

أهدى نسخة أخرى مني الى توأمه الشعري (الفيلكاوي) رغم أنه تشرّب أغلب مسوداتي ساعة كتابتها، وقبل أن ترى النور·· أهدى بعضي الى أعضاء الرابطة، ومجموعة أخرى الى شلة الشعراء في مقهى "الوحدة" دبشة، الهزاع، عباس، نايف·· وآدم·· خلال أيام قطّع أوصالي، لم يتبق لديه من نسخي شيء·· الآن عاد يراسل "الفارابي"، ليزوده بنسخ أخرى·· (السخاء الوحيد والنادر الذي لا يندم عليه واهب·· بل يزيده لهفة للعطاء ومزيدا من التبذير··)·

أسماني "البحر يستدرجنا·· للخطيئة" فأي بحر وأي استدراج يعني؟ لا أدري·· فهو ما زال يسكنه ذلك الولع الطفولي ببحر الفحيحيل و"قوايله" الحارقة·

دائما ما يتراءى له حين يكتب، ولكن أي خطيئة تسكن الفحيحيل وتشوِّه براءتها وطهرها الجنوبي؟ هل أَنْكَرَ وجهها "العصري" الملوث بأعمدة المصانع والبنايات الأنيقة الجوفاء، والأسواق المعلبة؟

قد يكون·· فصاحبي ما زال به حنين لسبعينياتها، "سكيكها" الترابية، ومبانيها المتصدعة··

أظن - وأنا الأدرى بما قد يجهل ما بنفسه - إن جزءا من الحنين الى سبعينيات الفحيحيل هو رغبة في دخول مناطق الطفولة، التي لا تمكّن أحدا من العودة، طرق ذات اتجاه واحد·· هذه "الرجعية" التي تعتمل في نفسه ولا يجد لها تفسيرا هي أفق بعيد امتزج به المكان بالزمان··

الآن·· وإن أنا ولدت للتو·· أسرُّ لكم أني لا أحمل ملامح صاحبي بشكل دقيق، خصوصا وأنه أخرجني من كيانه منذ سنوات - وإن لم يخرجني حينها بين غلافي كتاب - تلك السنوات أبعدته عني لبحر آخر، وأبعدتني عن أجوائه المتقلبة دوما·· لا يهدأ ولا يستقر، يتململ أحيانا فيتركني ويرتمي بأحضان حسناء شعبية (أو نبطية)، أو فتاة أصيلة أخرى تسمى "زهيرية"، أو الى غيرهن من الحسناوات ذات الوجوه الملائكية·

آه تَذَكَّرْتُ·· لم أجب بعد عن معنى "الخطيئة" التي دمغ بها صدر غلافي الأول·· لم أجب·· لأني لم أصل معه الى معنى ولن أصل!

هل تحتل الخطيئة جزراً مأهولة بالأشباح تعترض سفننا إن أبحرت في الكتابة؟ أم الخطيئة هي في التسليم للغرق في بحر عاطفة ما؟ أم الغلو في الطيبة والبياض؟

بعُرف صاحبنا كل أفق وإن حسُن·· قد يؤدي بنا للخطايا!

nashmi@taleea.com  

طباعة  

اتجاهات إبداعية متباينة لثلاثة أجيال شعرية
رابطة الأدباء تختتم موسمها بالشعر والكلمة الساحرة

 
رؤية
 
إصدارات
 
قصة قصيرة