رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 29 ذو الحجة 1421هـ - الموافق 24 مارس 2001
العدد 1469

قصة

المأزق

 

خليل الفزيعü

مطعم الميناء واحد من أهم معالم المحمدية·· مدينة النفط المغربية المطلة على المحيط·· الواقعة في منتصف الطريق بين الرباط والدار البيضاء·· في هذا المطعم يحلو له ولزوجته تناول طعام العشاء كلما سنحت الفرصة·· لقد استهواهما هذا المطعم المصمم على الطراز الأسباني·· بجوه الرومانسي وأكلاته البحرية اللذيذة، وزبائنه الذين يشكل الأجانب غالبيتهم·

قالت وهي تتصفح قائمة الطعام بعد أن استقرا في أحد أركان المطعم·· بقرب نافذة مطلة على حديقة مليئة بشتى أصناف الزهور، وشجيرات البرتقال والزيتون، وأشجار الأرز العملاقة، وقد أضفت الإضاءة على الحديقة جوا يبعث على الطمأنينة والحبور:

- لم أتصل بأمي منذ أسبوع·· أرجو أن تذكرني بالأمر عندما نعود للفندق·

إنها مشدودة الى تلك الديار الموسومة بالجفاف والصهد كما وصفتها يوما·· تحمل معها أمها وأخوتها أينما ذهبت·· هذا الانتماء الطاغي لغيره يزعجه·· كما يزعجها حديثه عن أهله·

لم يصرح لها يوما بضيقه من اهتمامها بأهلها في أوقات يتمنى فيها أن تهتم به أكثر·· تأمل وجهها المشرق·· وجمالها الفريد·· ورقتها المتناهية·· انتبه الى النادل وهو يقف بمحاذاته مستفسرا عن اختيارهما من الطعام·

حدق في قائمة الطعام·· خيل إليه أن الحروف قد تحولت الى أرتال من النمل·· تتحرك الى أطراف القائمة ثم تختفي حتى بدت القائمة خالية من الكتابة·· رماها مذعورا وبحث عن النمل فلم يجده، عندما التقطها مرة أخرى وجد الحروف في أماكنها·· داهمته الرغبة في الضحك فقاومها·· طلب من النادل التريث لدقائق أخرى· قال:

- أمي·· أمي·· أهلي·· الهاتف (وبعدين)؟·

ولما بدا عليها الاستياء سارع الى القول:

- طيب ·· حاضر وممنون، عندما نعود الى الفندق سأهاتفها بنفسي·

كانت ما تزال منشغلة بتفحص قائمة الطعام·· مرة أخرى أقبل النادل لتسجيل طلبهما·· أملت عليه اختيارها فقال الزوج:

- وأنا مثلها·· اجعل الطلب لاثنين·

ثم التفت الى زوجته بعد انصراف النادل وقال:

- لماذا لا تتكلمين·· سيظن الناس أننا مجرد زوجين، كيف لي أن أخبرهم أننا عاشقان·· رمت بهما دروب الحب من أقصى الشرق الى أقصى الغرب؟

ابتسمت·· شعر بالفرح يطغى على كل ما حوله·· وبدا سقف المطعم الخشبي بعيدا الى الأعلى، وقد تطاولت الجدران وتحول لونها الى الأخضر وبدا العشب النابت بين شقوقها أكثر اخضرارا، بينما تحولت أرض المطعم الى اللون الوردي·

تذكر أنه قبل أيام قليلة أدخلها في نفق القلق غير المبرر·· استاء من تصرفاته التي طالما أزعجتها، ومن كلامه الذي طالما آلمها·· تسلل الحزن الى نفسه·· لزم الصمت·· الى أن قالت مستغربة:

- هل فقدت لسانك·· لماذا لا تتكلم·

وكأنما انتشلته من قاع الحزن فقال:

- يبدو أنني أزعجك بكلامي·· كلما حاولت كسب رضاك·· يجانبني الصواب، وارتكب الحماقات عن غير قصد·

وكأنما أرادت أن تهون عليه فقالت تمازحه:

- ما أحلاك وأنت في هذه الحالة·· تخلع جلباب الغموض، وتتخلى عن دور القسوة، فتعود كما أنت·· طيباً ورقيقاً وواضحاً·

أمسك بيديها وقبلهما وقال:

- أرجوك لا تسيئي فهمي·· إنني أحاول إرضاءك، لكنك حساسة أكثر من اللازم·

- وأنت متهور أكثر من اللازم·

حاول أن يستشف من نبرات صوتها ما إذا كانت تمازحه أم تذكره بأحد عيوبه، لكن صوتها بدا محايدا فافترض حسن النية·· وهي القاعدة الذهبية التي يتعامل بها مع كل الناس الى أن يثبت العكس·· وطالما طرحت آراء لا يتفقان حولها سواء أثناء نقاشهما المباشر أو من خلال زاويتها الأسبوعية التي تكتبها في مجلة (المرأة) لكنه يعتبر هذا الاختلاف في الرأي علامة صحة في العلاقة الزوجية، خصوصا وأن هذا الاختلاف ينتهي بالاقناع·· لصالح أحد الطرفين·· دون حساسية أو شعور بالغبن·

سألها بعفوية:

- ماذا تقصدين بقولك أنني متهور أكثر من اللازم؟

- ألا تعرف ماذا أقصد·· طبعا أنت لست معي·· منذ جلسنا وهي تكاد تلتهمك بعيونها·· مؤكد أنك تعرفها·

وشعر كأنما صفعته بكلماتها، تطلع حيث أشارت برأسها·· هناك يجلس رجل وامرأة يتطلعان إليهما ويتحدثان بهمس·

- أتقصدين تلك المرأة أنها مع رجل، ولا أظنها تنظر الي، بل يخيل لي أنها تنظر إليك أنت·

- لا تتغابى·· إنها تنظر إليك·· هل تخبرني ما صلتك بها؟ قل لي هل تعرفها؟

كان النادل قد بدأ في جلب الطعام، ورغم رائحته النفاذة·· لم تمتد إليه يده·· لأن المفاجأة شلت تفكيره·

- هل تمزحين؟

وبان الغضب على محياها:

- أنا لا أمزح·· وأنت دائما تحرجني في مثل هذه المواقف·

أراد أن يمتص غضبها فقال ممازحا:

- (ما دام معاي القمر·· مالي ومال النجوم)·

لم تصغ لما قال·· بل زاد انفعالها، وتفوهت بكلمات قاسية، ثم انخرطت في بكاء صامت·· تطلع الى من حوله فأدرك أن الجميع مشغولون بأنفسهم·· حاول أن يهدئ من انفعالها، فلم يزدها ذلك إلا توترا، تعجب لتردي الموقف بهذه السرعة المذهلة·· وزاد عجبه عندما رأى المرأة تترك رفيقها، وتتجه الى حيث يجلسان وعلى شفتيها ابتسامة جادة·· وتوجس وقوع مالا تحمد عقباه ·· سارعت زوجته الى مسح دموعها واستعادة هيئتها، وكأنما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة·· وانهمرت الأسئلة في ذهنه:

ماذا تريد هذه المرأة؟ ماذا سيكون رد فعل زوجته لو دار بينه وبين هذه المرأة أي حديث؟ ما هذه الساعة المشؤومة التي قادته الى هذا المطعم؟ كيف سيعالج الوضع إذا تطور الموقف وهما في مكان عام·

المرأة تقترب أكثر·· وقلبه يزداد اضطرابا، وعقله يزداد تشتتا، وخيل إليه أن أرض المطعم تدور به دون سواه·· اقتربت المرأة أكثر·· ازداد وجيب قلبه·· ولما أصبحت بقربهما·· مدت يدها·· ظنها ستصافحه وهذه بداية الكارثة· لكنها تجاوزته لتصافح زوجته، وتشد على يدها بحرارة وهي تتساءل بفرح طفولي:

- أنت الكاتبة كوثر جابر؟

كان السؤال آخر ما يتوقعه، فزوجته الكاتبة المشهورة في بلدها·· لم يظن أن شهرتها قد وصلت الى المغرب العربي·· أجابت زوجته وقد بدت سحب الغضب تنجلي من سماواتها:

- نعم·· أنا هي!

- هذا من محاسن الصدف·· اسمي عيشة·· وأنا قارئة معجبة بكل ما تكتبين·· خصوصاً زاويتك في مجلة (المرأة)·· حصلت على مؤلفاتك بواسطة أخي·· ذلك الجالس معي، وهو يعمل في بلدكم·· هل تعلمين شيئا؟ إنك في الحقيقة أجمل (بالزاف) مما تبدين في الصورة (ديالك) التي تنشر مع مقالاتك·

انفرجت أساريره بابتسامة عريضة، وهو يرى السرور على ملامح زوجته·· وتمتم بكلمات غير واضحة·· لكنه أراد أن يقول:

- ألم أقل أنها تنظر إليك أنت؟

______________________________________

ü قاص وكاتب من المملكة العربية السعودية

طباعة  

إضاءات
 
في احتفالين ثقافيين أقيما في عمّان والقاهرة
جوائز "دار سعاد الصباح" تتجه نحو مستقبل الثقافة العربية

 
جعفر دشتي يشكل هموم "أمنا الأرض"
 
العلي في دار الفنون يعرض "Silhouettes In Blues"
 
احتفالية المرأة الكويتية في "عاصمة الثقافة" تفتتح في المدرسة القبلية
فاعليات احتفالية المرأة الكويتية: مؤتمر نسائي عام وشهادات حول الرواية والشعر والتراث

 
تجولت في سلطنة عمان بين "المدن القديمة" و"وجوه البشر" و"الإبداع"
العثمان: في زمن "الردة" فقدت المرأة العربية مكاسبها أمام التيارات المتزمتة

 
وتد
 
أجيال
 
شعر
 
من هناك