رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 10جمادى الآخرة1424 هـ-9أغسطس2003
العدد 1589

حرب الخليج الثالثة
حرب الحواســم (3)
د· راقية القيســـي*
rakiah@aol.com

                                                    

                                        

                                         جماهير غاضبة من الوجود العسكرى الامريكى في العراق

 

* الجماهير العربية المقموعة التي تشعر بالفشل ترغب في وجود قائد ينتصر لها وصدام أشعل الحروب حتى يجعل الشعوب تفكر فيه

*  صدام حسين ديكتاتور نادر والشعب لم ينتخبه بل فرض هيمنته الكاملة على الدولة مستخدماً جميع أدوات القمع والسيطرة

الجهاد من أجل العقيدة وشرف الأمة ضد الصليبيين الكفار" شعار ترفعه حالياً كل القوى المعارضة للولايات المتحدة وبريطانيا

 الوطنية من وجهة نظر صدام هي أن يضحي الفرد بنفسه من أجله

 

خلفيات فكرة الإرادة الحديدية:

 في لقائه بضباط المؤسسة العسكرية، يعزو صدام بأن مصدر قوته يعتمد بشكل أساسي على عاملين: أولهما الثقة العالية بالنفس وثانيهما الإيمان الذي لا يتزعزع بالله·

هدف صدام من خلال  دروس الثقة بالنفس هو: إخضاع مقاتليه وجمهوره إيديولوجيا· ويستنبط صدام بأن مصدر الثقة العالية بالنفس، يأتي من خلال الإدراك والوعي بالذات· أي أنه يعظ ضباطه وجنوده بالاستماع لصوت ضمائرهم الداخلية··!؟

تقف أمام هذه النظرية عقبتان حسب مقولة الفيلسوف البريطاني برتراند رسل : أولاهما أن الضمير يقول أشياء مختلفة لمختلف الناس· فعلى سبيل المثال، هل يجوز أن يتشابه ما يقوله ضمير صدام أو ستالين أو هتلر، بمثل ما يقوله ضمير غاندي؟ ! 

والعقبة الثانيه أن دراسة اللاوعي أعطتنا مفتاحا لفهم الدوافع الدنيوية وراء ما تشعر به ضمائرنا· لذا ففكرة الإرادة فكرة شديدة الغموض والإبهام ومن الممكن أن تختفي من قاموس السيكولوجيا العلمية، ولكن ليس من قاموس صدام·· فهو يزعم أنه من خلال الإدراك والوعي بالذات الذي  يحصل عليه المقاتل نتيجة الممارسة الطويله في النضال،  والتي مبعثها الإرادة الحديدية ·· يعي المقاتل والمناضل، أشياء أخرى (لاذاتية) خارج حدود تجربته النضالية ·· تلك الأشياء ذات حقيقة مطلقة، نشاطها لا حدود له، لأنها تمثل قوة خارقة هي القوة الإلهية·· وهي قوة يمنحها الله لمن يختاره، وذلك - في زعمه - ترتيب من الله وحكمته،

حيث تفرض الإرادة الإلهية للملوك والحكام النابغين والعباقرة لإنقاذ الأمة!

وتصورات الإرادة الحديدية لصدام، لها صلة وثيقة مع تصورات، ما جاء به الفيلسوف الألماني (فيخته)· فالأخير هو الذي نظر بأن مبعث النشاط والحركة والدينامية هي الإرادة· وهو الذي ربط بين الذات والحرية والممارسة· وهو الذي قال بأن الإنسان الحر هو الذي لا يعترف بأية شريعة غير التي يصنعها بنفسه لنفسة انظر Encyclopedia (Britannica  Fichte )

بكلام آخر، أصبح خطر صدام بعد طرده من الكويت، لا يقتصر على الهيمنة الداخلية (العنف والقمع) أو الهيمنة الإقليمية (العدوان على الدول المجاورة وتهديدها)، بل أصبح أداة إيديولوجية تعيد إنتاج القمع والانقسامات الإثنية والطائفية الداخلية، والنزاعات والتناقضات الإقليمية، والتنافس الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي الدولي (سأوضح ذلك فيما بعد) والربط بينهما جميعا ليكون العمود الفقري الذي يستند عليه، لفقء عيون المغول الجدد والسحالي والأفاعي والغربان حسب تعابير صدام··!

 

عطف الشعب:

 أحد أهم الأسس الفعالة في المقاومة هو كسب الشعب· وإن صدام  لا يستطيع تنفيذ حرب العصابات إذا لم يسانده الشعب ويكون الى جانبه· فالشعب هو نواة قوات الفدائيين· بعد أن يوهمهم بأن الفدائي يضحي بحياته من أجلهم· ومن أنه يقاتل العدو الغازي الذي جاء ليحتل أرضهم· وينهب أموالهم· ويعتدي على أعراضهم· لذلك فإن وعي المواطنين ونشر الصور لبعض ضحايا صدام في حلبجة وفي جنوب العراق وفي المعتقلات ستعيد الى مذكرة الشعب فظائع صدام· لأن من سمات الجماهير أنها تنسى بسرعة· وسأقف قليلا على هذا الموضوع لأهميته· فالجماهير تلعب دورا حيويا  في دعم سلطة صدام، وهي دائما كما يقول كاوتسكي لا تخدم قضية التقدم ولا تدمر سوى العقبات الأكثر عرقلة للتنمية··!

 

أخلاقية الجماهير:

دون أدنى شك إن الجماهير الشعبية تأخذ أوامرها من قياداتها الدينية ونخبها السياسية وزعماتها العشائرية، وليس من قادة الديمقراطية الموعودة· فالجماهير لا تفكر إلا بمن يوفر لها الحماية والأمن· والجماهير العربية لا تفهم  من الديمقراطية الغربية سوى أنها بضاعة استعمارية غربية، يلعنها الغالبية ·· الحكومات والنخب على السواء ··!؟ 

تخضع الجماهير لمن يملك القوة للدفاع عنها، حتى  لو كان صدام الذي ذبح أئمتها وهدم مساجدها وشردها ووضعها على الحدود!؟ لأن من خصائصها  النسيان وسرعة الانفعال والعجز عن المحاكمة العقلية وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر·

يعرف صدام من خلال المفكرين الواقعيين ابن خلدون، مكيافللي، هيغل بأن الدعوة الدينية تزيد الدولة قوة·· إضافة الى قوة العصبية·· لذلك أصبح صدام إمام المتقين حال طرده من الكويت لينتقم ممن لايرد على غدر الغادرين على حسب تعبيره·

ليست الوقائع هي التي تؤثر في مخيلة الجماهير بل الطريقة التي تعرض فيها الوقائع·· بحيث تولد صورا مؤثرة· مثل عرض صور الضحايا المدنيين من الأطفال والنساء ومشاهد الدمار وتهديم المنازل بشكل مشابه لما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، في الأراضي المحتلة· لربط المقاومة الفلسطينية بالمقاومة العراقية· والجماهير لا تتأثر إلابالصور·· ومن عادة الجماهير أن تتحول مشاعرها الناتجة عن هذه المشاهد فورا إلى أعمال فعلية بطولية لتضحي بنفسها  خصوصا إذا كانت الأجواء كما هي الحال الآن·· مهيئا للثورة والجهاد ··عن العقيدة وشرف الأمة ضد الصليبيين الكفار·· هذا هو الشعار الذي ترفعه حاليا كل القوى المعادية للولايات المتحدة وبريطانيا· فهذه فرصتها للانتقام من الإمبريالية اللعينة، وبتحريض من أجهزة صدام واسعة الانتشار في كل انحاء العالم··  لتجييش الحكومات والرأي العام العالمي لمواجهة الإمبريالية عدوة الشعوب· وتثور الجماهير لتضحي·· في حياتها وتتحول الى قنابل بشرية·· تكبد القوات الأمريكية والبريطانية خسائر بالأرواح وتجبرها على الانسحاب·· كما حدث في الصومال وكما حدث في  فيتنام · 

عندما درس علماء النفس الاجتماعي هذه الخصائص ليتعرفوا أسباب تأثير بعض رجالات التاريخ بمن فيهم الطغاة الأكثر استبدادا كصدام، وجدوا أن الخصائص الأساسية للجماهير وأعمالها واقعة تحت تأثير اللاشعور· مما يجعلها  تتصرف على هوى مصادفات التحريض والإثارة وتكون لعبة سهلة بيد من يقودها· 

ألم تطالب حاليا الجماهير الإيرانية التي يقودها آيات الله بإيقاف الحرب على صدام، وقد نسيت بأن كبار أئمتها الشيعة قد ذبحهم صدام؟!  بل إنها نسيت بأن قائد ثورتها قد مات كمدا وهما ·· بعد أن جرع كأس السم ·· وركع لإرادة صدام وأجبر على قبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب· بعد أن استخدم صدام أسلحة الدمار الشامل بشكل مكثف بالحرب ·· !؟

ولولا ذلك القرار لما حصل صدام على الانتصار (الذي لا يستحقه)  وادعى بأنه أذل وأخضع دولة تفوقه ثلاث مرات في كل النواحي· وإذا أمعنا النظر في كل انتصارات صدام نجدها بأنها لا تدين سوى للفرص ومواهبه في اغتنام الفرصة··!؟ والخطأ الذي ارتكبته إيران أنها منحته تلك الفرصة ·· فلولا رغبتها بتصدير الثورة والتي هددت الشرق والغرب، لما أصبح صدام حامي البوابة الشرقية للأمة العربية وتحول إلى قوة عسكرية مؤثرة!؟ 

إن الجماهير في إيران وباقي الجماهير العربية والإسلامية لا تفكر بأن إيقاف الحرب هذه المرة سيصنع له انتصارا أعظم  ·· وسيجعل منه هذه المرة قوة مقدسة جبارة بعد ان يدعي بأنه أذل وأخضع  أعظم قوة عسكرية في العالم!؟ ويصبح مثل ملوك سومر الذين كانوا يربطون ذاتهم بإلاله المقدس إنليل Enlil)) العظيم رئيس مجمع إلاله السومري الذي يرمز الى سلطة القوة والإرادة الجبارة·

إن الجماهير العربية والإسلامية المقموعة التي تشعر بالفشل والتخلف المزمن، ترغب بوجود قائد منتصر يزيل عنها هذه العقدة، لذلك نرى صدام لا يفكر سوى بإشعال الحروب حتى يجعل الجماهير بحاجتها المستمرة إليه·

 وخصوصا إذا كان هذا القائد  سيحقق النصر على الإمبريالية، حتى ولو كان ذهنيا، لأنها لا تستطيع تحقيق ذلك النصرعلى أرض الواقع·

وإن صدام يحقق لجماهيره هذه الأمنية من خلال الهلوسات الجماعية وأعراس النصر المتكررة·  وهذه الظاهرة لا تشمل عامة الناس بل حتى الكثير من النخب الفكرية والأكاديمية حيث وقعوا ضحية حيل وأكاذيب هلوسات النصر البعثية· وقد هيأت قيادة البعث هذه المرة بشكل رائع، للطقوس التي تؤدي هذا الدور الإيديولوجي المحرض، مما يستحق فعلا الاعتراف بالتفوق في إجادة تمثيل دور الضحية، والمهارة في المقدرة على جعل الآخرين يتعاطفون معها رغم معرفة الجميع  بأن ما يقوم به نخبة البعث مجرد خدعة!

  إن كسب عطف الشعب أمر سهل بالنسبة لصدام بعد أن فرض عليه الهيمنة الكاملة من خلال أدوات السيطرة في الدولة· وصدام ليست لديه أية صداقة أو حب للشعب لأنه يخشاه· وهو أمر بديهي· فالشعب لم ينتخبه لقيادته، بل وصل لقيادة الشعب بجهده الخاص، مستخدما كل طرق الحيلة والخيانة والنذالة·

في الوقت الذي يظهر صدام حاليا الحب والرعاية الخاصة للشعب، يبذل جهودا استثنائية (منذ أن بدأت الحرب) لتوفير كل ما يحتاجه الشعب من مؤن وخدمات طبية· ويخضع الشعب بخطاباته ونداءاته اليومية التي تحث على الصبر والإيمان·· منطلقاً من وجدان الفرد لينتهي بالدولة الوحدانية المتعالية على الفرد والتي يجب أن يضحي لها بنفسه· فيجمع صدام  (نظريا وليس على أرض الواقع ) بين عقل الإنسان والأخلاق والوجدان وبين دولته البعثية الكاملة الانسانية التي لا تعرف التناقض والتي تنصت لهمس الضمير الإنساني· ليرغم من خلال هذه الكلمات العاطفية الشعب على تنسيق أهدافه مع أهداف الدولة التي تقاوم الغزو·

وهو الشيء نفسه الذي فعله روسو لإثارة مشاعر الشعب في أثناء الإعداد للثورة الفرنسية، وبعده سبينوزا فهم أصحاب هذه الفكرة وعنهم أخذها عفلق وكل القوميين العرب لتثوير الشعب· فأعطوا صلاحيات واسعة للدولة القومية، ثم ليد القائد البطل القاسي ليحقق أهداف الدولة وفق أهداف البعث القومية· والوطنية من وجهة نظر صدام هي التضحية بالنفس في سبيل الدولة التي تمثل إرادة البعث والأخيرة هي إرادة صدام، والفرد وفق منظور البعث لايكون وطنيا الا إذا أضحى بنفسه لهذه الإدارة، لذلك تعتبر كل المعارضة العراقية من وجهة نظر صدام والبعث، معارضة غير وطنية وعميلة للأجنبي، وهذه رؤية الفلسفة الهيغلية نفسها في الوطنية· حيث يوضع الفرد في حالة وجدانية تجعله ينظر طول الوقت إلى الجماعة بصفتها الغاية والجوهر، فالأمة هي أصل النظام وأصل الوجدان·

وهذا هو السبب الذي نجد الأمة تندفع من اجله دون وعي مسحورة وجدانيا تدافع عن قائد الأمة البطل·

وتتوازى مع الحملة الوجدانية، صلاحيات الأجهزة الأمنية غير المحدودة، وتزداد قبضة ميليشيات فدائيي صدام وجيش القدس القمعية على الجماهير، تحت ذريعة مراقبة التآمر الامبريالي العدواني على العراق، وتعمل مع هذه الأجهزة المرعبة بشكل منظم، كل المنظمات الشعبية وميليشيات حزب البعث المنتشرة في كل مكان في العراق: في دوائر الدولة والمصانع والمتاجر والمدارس والجامعات ومؤسسات الإعلام·

هدف هذه الماكينة التحشيدية الضخمة هو تبرير أسباب الحرب· لحمل الناس على نسيان القمع البعثي، والتغاضي عن شناعات النظام التي اقترفها بحق العراقيين· وما يجعل حجج البعث منطقية وقابلة للتصديق من قبل الجماهير الشعبية، أن الذي يشن الهجوم على صدام وحزبه هو العدو الإمبريالي، وهذا العدو هو الأكثر جبروتا وطغيانا في قوته العسكرية،  في المخيلة الجماعية للأمة·

وبذلك يتحكم صدام بالمجتمع من خلال العقيدة والوجدان والعقل بواسطة التربية من ناحية، والقمع الوحشي من ناحية ثانية ·

 وقد بدأ صدام باستخدم هذا التكنيك منذ طرده من الكويت وحتى الآن فمن البديهي أن يندفع الكثير من جماهير الشعب دون وعي يلبون إرادة القائد·· حتى ولو كان قائدا وهميا غير محب للشعب ولا للإنسانية ويضحي بملايين أبناء الشعب من أجل طموحاته في السلطة والمجد· بعد أن سيطر عليه ذهنيا مثل الطبيب النفسي الذي ينوم مرضاه مغناطيسيا·

 

الاستقلال الوهمي

من الأسس المهمة أيضا التي اتبعها صدام لمقاومة الهجوم، أنه جعل النخب الدينية ورؤساء العشائر أن تبصم له بالدم·· بعد أن أخضعها أيديولوجيا·· وأخذ يتحدث لها عن أبطال ثورة العشرين، وكيف خلد التاريخ أجدادهم الذين أجبروا العدو البريطاني بأسلحته المتطورة على التراجع والاندحار، ورغم اختلاف الزمن والأهداف بين المقاومة في تلك الفترة التي كانت ضد الاحتلال وبين المقاومة الحالية - المخططة من قبل أجهزة صدام - فإن المقارنة بينهما واعتبار الآله العسكرية الحديثة التي توصف بأنها تقف عاجزة أمام قوة الإيمان للعقيدة البعثية، ما هي إلا نوع من التضليل الفج· لأنه حتى - في ثورة العشرين - هناك أهزوجة شعبية يعرفها العراقيون جيدا ولها مغزى مهم يخالف أطروحات أجهزة صدام الدعائية، تقول الأهزوجة مخاطبة الله ومندهشة من تقدم عقل الإنسان وتطوره: "متكلف خالقله بعير (أي الجمل) وبنادم (وتعني الإنسان باللهجة الشعبية لأهل الجنوب العراقي) خالق طيارة؟!

ü باحثة عراقية

 

�����
   

خرج ولم يعد:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
كرت سبيلماير- د·شملان العيسي: رسائل ديموقراطية أكثر عملية:
خالد عايد الجنفاوي
بعد ثلاثة عشر عاما··· غزوالكويت الجريمة والمأساة؟:
داود البصرى
الموسوي يرد على مقالة الوقف الجعفري
بل أنتم وراء إثارة الطائفية:
حسن مصطفى الموسوى
سور "برلين" جديد:
عبدالله عيسى الموسوي
حرب الخليج الثالثة
حرب الحواســم (3):
د· راقية القيســـي*
حرية العراق:
المحامي نايف بدر العتيبي
لا ليست أزمة مواقف مبدئيه بل أزمة مبادىء يارفيق:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
Bidun:
د. جلال محمد آل رشيد
تفعيل دور وكلاء الوزارات:
علي الكندري
همزة وصل:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
أسرانا في ذمة الله:
يحيى الربيعان
الإعلام العربي والتحديات!:
عامر ذياب التميمي
مَن الغدار؟:
د. محمد حسين اليوسفي
أسرار وأرقام مثيرة القصة الكاملة لسرقات صدام حسين:
حميد المالكي