رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 10جمادى الآخرة1424 هـ-9أغسطس2003
العدد 1589

بعد ثلاثة عشر عاما··· غزوالكويت الجريمة والمأساة؟
داود البصرى

-يحل الثاني من آب (أغسطس) هذا العام بحلة جديدة ونكهة متميزة وآمال كبيرة، وهو يدخل ضمن وضع تاريخي خاص تغير معه شكل وطبيعة الصراع في العالم العربي، وهو صراع اتخذ أشكالا شتى في التاسع من نيسان/ إبريل الماضي بانهيار وتلاشي النظام البعثي في العراق والذي شكل وجوده خرقا فظيعا لصيغة الأمن القومي العربي تلك الصيغة الهلامية التي استهلكت كثيرا وفقدت أي معنى لمصداقيتها مع توالي المواقف العربية الأولى من ذلك الغزو الجاهلي الأحمق الذي فتح على العرب بوابة جهنم، وأفرغ النظام العربي من محتواه الهش، وأبرز  للعالم مدى فضيحتنا الأخلاقية والحضارية والسياسية، ففي الثاني من آب  1990 سقط القناع عن آخر وجوه الفاشية العربية المغلفة بالفكر القومي العقائدي وهو سقوط اتسم بشمولية الفحوى وبانكشاف العديد من الأوراق والقناعات المزيفة والتضليلية التي ظلت مهيمنة على الحياة السياسية والفكرية العربية ردحا طويلا من الزمن·

وبعيدا عن الدخول في تفصيلات ذلك اليوم الأسود اليائس في التاريخ العربي فإنه قد كان جليا لكل من تعاطى العمل السياسي في تلك الفترة المنفلتة من الحياة السياسية العربية أي في مرحلة الثمانينات المتفجرة من أن غزو النظام الصدامي البائد لدولة الكويت لم يكن بالأمر المستغرب ولا المفاجيء، بل على العكس تماما فكل المؤشرات الواضحة كانت تشير لحتميته واحتمالية حدوثه وكان ما ينقص التأكيد هو معرفة التوقيت فقط، لأن النظام العراقي البائد ومع تسارع انتفاخ أوداجه الإعلامية بالنفخ والمديح وتمكنه من التغلغل في الساحة السياسية وفي الحلقات الداخلية لأجهزة السلطة الكويتية وقتذاك كان يضع الكويت في خانة التبعية الكاملة له ولمخططاته ولكل مشاريعه العدوانية أو التبشيرية القومية المزيفة، لقد تصور صدام وعصبته أنهم وعبر تفاعل بعض قطاعات الإعلام الكويتي معهم يحظون بالقبول والرضا وأن الشعب الكويتي لن يمانع من استقبالهم بالزهور والرياحين استنادا لرؤى بعض الجماعات المحلية والأفراد في الكويت الذين ذهبوا بعيدا عن ولائهم لنظام صدام من واقع مشاعر الحث القومية من خلال الحرب المستعرة وقتذاك ضد إيران، أو نتيجة لأهداف وتطلعات طائفية أو مصلحية معينة، ولم تكن هذه الحقيقة بالقطع، فاهتمامات الشعب الكويتي في تلك الحقبة كانت تنصب أولا وأخيرا على الكفاح الوطني من أجل ترسيخ الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية والمباشرة ببناء الوطن الكويتي الصغير وسط عالم متغير ومتسارع، ولم يكن نظام صدام محط رضا من الشعب الكويتي ومن القطاعات القومية الحقيقية والنخب السياسية التي كانت تعرف مليا حقيقته، ولكن للاستراتيجية الإقليمية متطلباتها التي لا ترحم والتي تقتضي بالوقوف مع النظام العراقي لأسباب لا علاقة لها بالإعجاب ولا بالحب والغرام فالسياسة ليست مجالا للتعبير عن العواطف الذاتية بل عن المصالح وهي متغيرة بطبيعة الحال، ولعل من عاش تلكم الأيام يتذكر حالات الصراع والشد والجذب الداخلية في الكويت والخلافات الشديدة بين الحكومة ومعارضيها حول الانتخابات وصيغة التمثيل البرلماني منذ أن حلت الحكومة مجلس الأمة في صيف 1986 وورفعت شعار (الديمقراطية أم الأمن)، وهو شعار خطير ارتسمت ملامحه العامة على مصير الكويت بعد ذاك، وكان جزءا من هوامش التوترات التي أضافتها الحرب العراقية - الإيرانية المستعمرة على الوضع الداخلي في الكويت التي أصبحت هدفا لأعمال انتقام إرهابية من بعض الأجنحة المتطرفة في إيران والتي توضح لاحقا أن لها ارتباطات وخيوطا شديدة الدقة بالجهد الاستخباري العراقي، وهي معلومات لم يكن من السهل إثبات مصداقيتها حينذاك ولكنها توضحت بعد حين، وكانت نتيجة شد الحبل بين الحكومة الكويتية ومعارضيها هي حروب (الديوانيات) المعروفة وحملات المطاردة التي اشتركت فيها الكلاب البوليسية، وفي مشاهد كانت مثيرة وغريبة على المشهد الكويتي الداخلي الذي شهد على الدوام توافقا وقبولا بين الحاكم والمحكوم وبصيغة ملفتة للنظر من السلام والوئام، ومن واقع التقاليد والقيم العربية والبدوية··· ثم انجلى غبار الموقف عن قيام ما يسمى بـ (المجلس الوطني) بدلا من (مجلس الأمة)! وكان اسم المجلس الوطني شؤما لا لكونه يشابه اسم مجلس تنابلة البعث العراقي في بغداد بل لكونه نبتة غريبة خارجة عن سياقات التوافق الوطني في الكويت، والذي أعلن عن قيامه في حزيران/ يونيو 1990 أي قبل أسابيع قليلة من كارثة الغزو القومية والتي أنهت معها المجلس الوطني وأعادت توحيد الصف والجهد الوطني في الكويت اعتبارا من مؤتمر جدة في أكتوبر والذي شهد بداية التكوين الثاني والراسخ للكيان الكويتي الديمقراطي الذي وحدت صفوفه محنة الغزو والتشرد ودماء المضحين·

لم نورد الأحداث السابقة لنبش الذاكرة التاريخية بذكريات أحداث سيئة وتجارب مريرة فقط، بل لإنعاش الذاكرة التاريخية والتذكير بأن الاستبداد هو طريق الضياع والتلاشي وأن سر نجاح التجربة السياسية الكويتية يكمن في قدرة أبناء الشعب الكويتي على تجاوز كل صور الخلافات وفق آفاق حضارية من التفاهم والذي من شأنه توحيد الصفوف الوطنية وغسل القلوب والمساهمة الفاعلة بنهوض وطني جديد وبالتفاعل مع الحالة القومية بعقول مفتوحة وقلوب متسامحة، وكما أسلفت فالمفاجأة لم تكمن بالغزو بل فيما أعقبه من مواقف ستظل علامات تاريخية شاخصة لن يطالها النسيان أبدا، ربما يغفر الكويتيون ويحاولون قلب صفحات الماضي ولكنهم قطعا لن ينسوا دلالات ومآسي ذلك اليوم الأسود الكئيب، الذي تغير معه وفيه وبعده شكل العالم العربي وانتهت والى الأبد مرحلة الرومانسية القومية بعد أن أنشبت العروبة الصدامية مخالبها وأنيابها بحسد الشعب الكويتي لتمزقه إربا وتحاول خنق صوته للأبد بذريعة الشعارات اليائسة البائدة حول ما يسمى بتوزيع الثروة القومية! وحول الأصول والفروع وحول الأسطوانة الدائمة للآلة الإعلامية البعثية (تحرير فلسطين من البحر إلى النهر)! ومن أن (طريق القدس يمر بالأحمدي)! كما حاولوا سابقا أن يعبدوا طريق القدس عبر عبادان والمحمرة!! وكانت قمة المهزلة القومية الشاملة وسيادة الخطاب الغوغائي البعثي اللئيم، وبداية الضياع العربي الشامل في صراع الاستراتيجيات الكونية!، وكان صمت الشارع العربي حول صرخات النجدة الكويتية مخيفا ومرعبا ومؤشرا حادا على حال التبلد والغلظة والقسوة، فلقد سمعنا أصوات الاستغاثة الكويتية من غدر الأخ والشقيق ونحن في آخر الدنيا، بينما صم العالم العربي أذنيه من الخليج وحتى المحيط وتضامن مع القاتل واللص في أبشع حفلة هلوسة قومية لم يترك حضورها للشعوب فقط بل للحكومات والأحزاب والنقابات حتى صحف العروبة في الغرب وصلتها حالة الخرس العربي الشاملة فلم تتحدث عن غزو صدام وانتهاكه للكويت لأكثر من ثلاثة أيام! مفضلة تتبع أخبار هوليوود على التنديد بالغزو الجاهلي الأحمق وتشريد شعب عربي طيب وأصيل وكانت له أدواره في دعم العرب ومساندتهم، ولكن خمرة البعث البائد كانت قد أطاحت برؤوس القوم! وجعلت العالم العربي عاريا هرما مستباحا لا يعيش إلا على التظاهرات الصوتية فيما سكاكين الذبح تحد أسنانها من كل حدب وصوب في أبشع مؤامرة بعثية على الأمة العربية في تاريخها الحديث· وهي مؤامرة عبثية وشمولية استمرت لعقد ونيف من السنين قبل أن تتدخل الإرادات الكبرى لمحاولة تصحيح ما يمكن إصلاحه، ولكن برغم كل التطورات والمتغيرات السابقة واللاحقة لابد من وقفة موضوعية مع النفس والتاريخ واستعراض صور الماضي والتي تشكل دون شك دليل عمل للمستقبل دون أن نقصد نكء الجراح واستعادة المآسي بالضرورة، لقد حدثت جريمة غزو الكويت القومية في ظل واقع شعبي عربي بلغ به الإحباط والفشل مبلغا جما، حتى بات متيسرا لكل مدع وأفّاق ممارسة العمل السياسي بقليل من الشعارات المستهلكة التي تداعب أحلام المحبطين، وتدغدغ مشاعرهم بشعارات كبيرة ولكنها فارغة من طراز (مقارعة الإمبريالية والصهيونية)! و(إعادة توزيع الثروة القومية) ولو بطريقة طيب الذكر (روبن هود) مع استعمال بعض البهارات الدينية حول (المستضعفين) والطغاة ومال قارون·· إلخ وكان نظام صدام البائد عبر أجهزته الإعلامية وأدواته الخارجية خبيرا بمثل هذه المسائل وتصدير الأحلام وتزويق الشعارات بعد تعليبها وتزويقها لتخرج على الناس بحلة قشيبة تتناسب وظروف المرحلة، فإن كان الخصم عربيا يتم اللجوء لقاموس المصطلحات الماركسية والطبقية، وإن كان غريبا تظهر الروح الجهادية والدينية!! في مفارقات سلوكية "بايخة"، وقد لعب نظام صدام البائد على مختلف السلالم الموسيقية مستعيرا المصطلحات دون حساب، فهو في حربه الإيرانية المجنونة كان يرفع سيف (القعقاع والمثنى وسعد) ضد ما أسماهم وقتها بالفرس المجوس!! بينما اختلف الأداء في غزوته الكويتية الحمقاء فاستعار عمامة صلاح الدين الخضراء ثم نصب نفسه بمعاونة بعض المهووسين أميرا للمؤمنين الصابرين المجاهدين، في عروض سيرك سياسة هزيلة مفتقدة للحد الأدنى من المصداقية والحبكة والإقناع! ولكنها مع ذلك تسببت في خراب نفسي بين الشعوب العربية قد تستمر لآفاق ليست منظورة وهي واحدة من أبشع النتائج التي أفرزتها جريمة غزو الكويت·

وإذا كان تاريخنا العربي والإسلامي مازال يؤرخ بأحداث الفتنة الكبرى في فجر التاريخ الإسلامي بين معسكر الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ومعسكر معاوية بعد خمسة عشر قرنا من الزمان من النزاع بين الشرعية والفئة الباغية فأحسب أن جريمة غزو الكويت ستظل ماثلة وشاخصة للأذهان وفي ذاكرة الأجيال كواحدة من أعتى توابع الفتنة القومية الكبرى التي ارتبطت بالنظام الصدامي السابق، فقد زرعت الفتنة والعداء بين عرب الخليج وعرب المغرب، وتسببت في تقسيم العالم العربي، وبنت جدران الدم والدموع والعظام والمقابر الجماعية بين الشعب العراقي ذاته وشقيقه الشعب الكويتي، وتشوهت رؤى وأحلام الأجيال العربية الجديدة، وبات الغزو بكل ذكرياته وتاريخه وأحداثه فاصلة مرعبة ونقطة سوداء في الذاكرة التاريخية القريبة لشعوبنا المبتلاة، واليوم وبعد تحقق الحلم وزوال الطاغية البعثي الأهوج وحزبه الكريه زوالا أبديا نرى أن على الشعبين الشقيقين في العراق والكويت ضرورة تجاوز مآسي الماضي والانعطاف نحو بناء علاقات استراتيجية جديدة من شأنها هدم كل جدران الدم وتضميد الجروح وإغلاق الملفات الخلافية والتي لا جدوى منها ولا ضرورة لها، ولتكن ذكرى غزوة صدام الجاهلية الحمقاء دافعا لتعزيز العلاقات بين الشعبين ومنطلقا لتصحيح الصورة في العالم العربي وفي أوساط الشعوب العربية التي انساقت للأسف وراء النظام العراقي ودعاياته الفاشية المزيفة وحيث تتحمل النخب والأحزاب السياسية العربية الجانب الأكبر من حملة التضليل القومية·

لقد سقط الغزو وفشل منذ لحظاته الأولى لفشل النظام الصدامي البائد في العثور على عميل كويتي واحد يرضى بأن يكون دليلا وعميلا للبعثيين، وهي ظاهرة تستحق أن تدرس عربيا في إطار الولاء الوطني الشامل·

فرحمة الله الواسعة على شهداء الشعبين العراقي والكويتي، والرحمة لأرواح الأسرى والمغيبين من الشعب الكويتي الشقيق، واللعنة على قتلة الشعوب من الفاشست الجبناء·

 

Yahoo!Groubs Sponsor 

�����
   
�������   ������ �����
 

خرج ولم يعد:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
كرت سبيلماير- د·شملان العيسي: رسائل ديموقراطية أكثر عملية:
خالد عايد الجنفاوي
بعد ثلاثة عشر عاما··· غزوالكويت الجريمة والمأساة؟:
داود البصرى
الموسوي يرد على مقالة الوقف الجعفري
بل أنتم وراء إثارة الطائفية:
حسن مصطفى الموسوى
سور "برلين" جديد:
عبدالله عيسى الموسوي
حرب الخليج الثالثة
حرب الحواســم (3):
د· راقية القيســـي*
حرية العراق:
المحامي نايف بدر العتيبي
لا ليست أزمة مواقف مبدئيه بل أزمة مبادىء يارفيق:
عبدالمنعم محمد الشيراوي
Bidun:
د. جلال محمد آل رشيد
تفعيل دور وكلاء الوزارات:
علي الكندري
همزة وصل:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
أسرانا في ذمة الله:
يحيى الربيعان
الإعلام العربي والتحديات!:
عامر ذياب التميمي
مَن الغدار؟:
د. محمد حسين اليوسفي
أسرار وأرقام مثيرة القصة الكاملة لسرقات صدام حسين:
حميد المالكي