يجب علينا حقيقة الاستمرار في طرح الكثير من التساؤلات حول عدم استطاعة الفكر الديموقراطي بشكل عام أو الكتّاب الليبراليين بشكل خاص، على طرح، أو بصيغة أكثر دقّّة، عدم قدرتهم على نشر وتقوية أو تعزيزالكثير من المبادئ الديموقراطية سواء على مستوي التطبيقات اليومية للمواطن أوعلى مستوى استقبال القارئ الكويتي العادي للأفكار المطروحة علي صفحات الجرائد اليومية أو الأسبوعية·
"لعلّ" بعض هذه التساؤلات أو النقاش الذي يجب أن يستمر يتعلّق بالنتائج العملية للممارسة الديموقراطية، فبالفعل هنالك حاليا مراجعة شبه كاملة لحقل العلوم الإنسانية (الآداب، الفلسفة، العلوم الاجتماعية، إلخ) بشكل عام ونقد تطبيقاتها العملية في الحياة اليومية للإنسان العادي ("العادي" هنا ليست صفة تصنيفية بل لتوضيح الفرق في الاهتمام بين الاختصاصي المهتم والقاري العادي)·
كرت سبيلماير في كتابه الأخير (فنون الحياة: إعادة اختراع العلوم الإنسانية للقرن الحادي والعشرين - 2003 - دار نشر جامعة نيويورك - ألباني -الولايات المتحدة) يناقش مايراه فشلا ذريعا للعلوم الإنسانية في "إفادة" المواطنين العاديين في حياتهم اليومية· سبيلماير ينتقد بشكل مركّز انفصال أو ابتعاد البحوث والدراسات في العلوم الإنسانية عن الحاجة الفعلية للإنسان العادي، بل إنّ سبيلماير يؤكد بأنّ النقد الأدبي، على سبيل المثال، يخاطب فئة معيّنة ومحدودة من النقّاد المختصين وليس له علاقة، مطلقا، بما يجري في حياة الإنسان خارج أسوار الجامعة أو خارج مجموعة المهتمين في النقد، لقد جلبت مثال سبيلماير لكي أوّضح نقطة مهمّة ذكرتها في بداية هذه المقالة: ماهي فعلا النتائج العملية للممارسة الديموقراطية في الكويت؟ لربّما يكون من الأفضل تشبيه ما يحدث الآن في العلوم الإنسانية لما نحتاجه أن يحصل فعلا، حاليا، عند صياغة رسائلنا الديموقراطية ،والتي نهدف من ورائها إلى المساعدة على تطوير الحياة الديموقراطية وترغيب الناخب الكويتي بها، يذكر دانييل ديفو(روائي إنجليزي من القرن الثامن عشر) بأنّ أحد أهم النصائح التي أخذها عن أحد معلميه عندما كان صغيرا: هو أن لا تحاول ضرب الناس على رؤوسهم إن أنت أردت أن تقنع، بل خاطبهم بما يحبّون) أو هكذا·
على كلّ حال، يجب علينا، حقيقة، النظر بتمعّن وتركيز شديدين حول ما نطرحة من أفكار ديموقراطية هي بالأساس سامية المعاني وتساعد على نشر العدالة الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعنا، فالديموقراطية تتمتّع عن كثير من الأنظمة السياسية والاجتماعية الأخرى بقدرتها علي التكيّف مع البيئة الإنسانية التي توجد فيها، فأخذ هذه الصفة في الأيديولوجية الديموقراطية بعين الاعتبار في أثناء بثّ رسائلنا الديموقراطية سواء في الصحف اليومية أو الأسبوعية، وتكييف هذه الرسائل حسب المعتقدات الاجتماعية الموجودة علي "أرض الواقع" سوف يخدمنا كثيرا·
نحن هنا لا ندعو لترهيل أو أضعاف الرسالة الديموقراطية، بل ندعو إلى ملاءمتها لماتتطلبة الحياة اليومية للمواطن الكويتي، فغالبية الناس سواء هنا في الكويت ،أو في أي مكان آخر، يتطلعون للمس واستخدام النتائج العملية في ممارسة الحياة اليومية· بل إنّ الاستمرار في النقد الحاد وغير العقلاني في بعض الأحيان للاختراقات اليومية للممارسة الديموقراطية في الكويت، لن يعطي سوى إشارات بأن الفكر الليبرالي الديموقراطي بدأ يضعف، وهي ليست الحقيقة بالطبع، فعلي سبيل المثال، يمكن القول بأنّ القارئ العادي يتمتّع بقراءة مقالات الدكتور شملان العيسي في صحيفة السياسة لما يتميّز به أسلوبه من البساطة "عند" مناقشته القضايا التي تهم المواطنين بشكل خاص، وبالطبع فإن الدكتور العيسي لديه القدرة على مناقشة المواضيع التي يطرحها بشكل أكاديمي بحت وممتع جدا بالنسبة للمهتم·
إن إحدى نتائج قدرة الدكتور العيسي على المناقشة الأكاديمية البحتة هي الأسلوب شبه الأكاديمي في هذه المقالات، فلقد كنت أحد طلبتة في المرحلة الجامعية· على أية حال فإن فشل العلوم الإنسانية في مخاطبة المواطن العادي، لايعني بالطبع نكران أفضالها في خدمة التطور الإنساني بشكل عام، ولا يعني، أيضا، استمرارنا في تجاهل قدرة الديموقراطية على التكيّف المستمر للبيئة الاجتماعية أو الاقتصادية التي توجد فيها، فلنكيّف ولنرَ· |