رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 21 فبراير 2007
العدد 1763

شكرا كرة القدم
ياسر سعيد حارب
yasser.hareb@gmail.com

عندما كنت صغيرا كنت من محبي كرة القدم، وبالرغم من أن أحد النوادي الرياضية الشهيرة في دبي كان قريباً من بيتنا إلا أن أبي كان يرفض السماح لي ولأخي بحضور المباريات التي تقام فيه لعدة أسباب أهمها أننا كنا صغاراً على حضور المباريات لوحدنا والاختلاط بالكبار الذين يأتون إلى المباريات من كل حدب وصوب· وبالرغم من ذلك، كنت وأخي نذهب خلسة لمشاهدة المباريات في ذلك النادي مع أحد أقاربنا الذي يكبرنا سناً والذي كان يعدنا دائماً بأنه لن يخبر أبي بالأمر···

 لازلت أذكر كيف كانت المدرجات تغص بالمشجعين المواطنين والمواطنين فقط، والذين يعرفون بعضهم البعض سواءً كانوا من الفريق نفسه أو من فرق مختلفة، وبالرغم من صغر تلك المدرجات إلا أنها كانت تمثل لي أكبر شيء في العالم وأكثر شيء يخيفني ويسعدني في الوقت نفسه، ولازلت أذكر قرع الطبول التي يدوي صداها في أذني كلما شاهدت مباراة لكرة القدم وخصوصاً عندما يسجل أحد اللاعبين هدفاً في مرمى الفريق الآخر·

كنت أرى في تلك المدرجات كل الأشخاص الذين أعرفهم وكل الأشخاص الذين سوف أعرفهم في المستقبل·

 كان يربط بيننا مربع أخضر وكرة صغيرة لا نكاد نراها من مقاعدنا إلا أن أحلامنا كانت تتدحرج معها كلما اقتربت من خط الثمانية عشر··· وبعد أن تدهورت أحوال كرة القدم وفقدت اللعبة بريقها ورونقها، بدأت اهتماماتي بالتحول عن الرياضة إلى حضور بعض الفعاليات الثقافية والاهتمام ببعض جوانب الثقافة كالخط العربي والقراءة والاطلاع والرسم وغيرها، وكان مما أثر في حياتي أنني قرأت كتاب "النظرات" للمنفلوطي، ذلك الرجل الذي غير سير حياتي من مراهق يزأر في ملاعب كرة القدم إلى عاشق للأدب يجلس على شاطئ البحر ويتأمل في كلمات المنفلوطي التي كانت تنساب على قلبه كماء رقراق زاده اتساع البحر عذوبة، ومن ثم عكفت على قراءة بعض كتب الأدباء العرب كطه حسين والرافعي وتوفيق الحكيم وغيرهم من أعلام الأدب العربي الذين طغى إعجابي بهم على حبي لكرة القدم حتى وصلت إلى حد ازدراء الرياضة والرياضيين! بل إنني فقدت معظم أصدقائي لأنه لا أحد يحب الكلام في الثقافة حيث إنها في نظر الكثيرين جافة ولا تعود على المجتمع بمنفعة ملموسة·

وبالرغم من أن الثقافة جعلت باريس أكثر مدينة تزار عالمياً حيث يزورها أكثر من 30 مليون زائر سنوياً، إلا أن هذا الأمر ليس موضوع حديثنا اليوم، فاليوم فقط أيقنت أن كرة القدم التي كنت أعشقها يوماً ثم ابتعدت عنها قد تكون أحد أهم العوامل تأثيراً في شعوب الوقت الحاضر··· فقبل أيام قليلة رفع منتخب الإمارات الوطني لكرة القدم أول كأس في مسيرة دولة الاتحاد، ويالها من لحظات مؤثرة عندما دفع إسماعيل مطر بكرته التي كانت وفية له طوال مشوار بطولة خليجي 18 لتتدحرج مرة أخرى بأحلام جميع الإماراتيين الذين هفت قلوبهم شوقاً من شرق البلاد إلى غربها لتلك اللحظة ولتجعل من هذه الأحلام حقيقة لأول مرة حتى بللت دموعهم مقاعد مدينة زايد·

بعد الهدف الذي حبس أنفاس الجميع، نظرت إلى الجمهور وإلى من كانوا حولي فوجدت الجميع متوشحاً علم الاتحاد، حتى الحكام ومسؤولو الدولة كانوا يزينون به أعناقهم، والوافدون أيضاً كانت تلف رقابهم أعلام الاتحاد الذي يعتبره الكثيرون اتحادهم وملكاً لهم تماماً كما يملكه المواطنون··· بعد الهدف رأيت مواطنين ووافدين يتعانقون ويبكون دون أن تحول بينهم الوثائق الرسمية أو اللهجة أو لون البشرة··· بعد الهدف أحسست أنني إماراتي وشعرت بهويتي التي طالما افتقدتها في الأسواق القديمة والمراكز التجارية··· لم يحقق إسماعيل مطر هدف البطولة فقط بل حقق هدف الهوية التي جعلت الجميع يزأر في مدينة زايد بصوت واحد "إمارات يا بلادي" لقد كان هدف إسماعيل بمثابة المطر الذي يبث الفرحة في قلوب الجميع دون النظر إلى ألوانهم أو أجناسهم أو أصولهم·

بعد المباراة جاءتني العديد من الاتصالات والرسائل التي تبارك فوز الإمارات ببطولة خليجي 18، والمفاجأة كانت بأن معظم هذه الاتصالات كانت من أحبة مقيمين على أرض الإمارات وبعضها كانت من أحبة آخرين في دول عربية أخرى يقولون جميعهم "نحن نحب الإمارات"·

لقد أعادت كرة القدم للإماراتيين ذاكرتهم وأكدت لهم بأنهم مازالوا يملكون هذا الوطن، وبينت لهم بأن هناك كثيرين ممن يقيمون على هذه الأرض المعطاءة من أحبتنا العرب وغير العرب أيضاً يفرحون لفرح الإماراتيين ويحزنون لحزنهم·

نعم، للثقافة أثر، والفكر فقط هو الذي يقيم حضارات ويبني أمماً، ولكن إن كانت كرة القدم ستذيب الرواسب التي تراكمت عبر السنين داخل النفوس وبين الأبدان فأهلاً بكرة القدم··· وإذا كانت كرة القدم ستجعل المواطنين أكثر وطنية والمقيمين أكثر ولاءً فشكراً لكرة القدم·

بعد المباراة اتصل شخص بإحدى إذاعات البث المباشر وقال والفرحة قد غمرت صوته: "أنا متصل من أحد مستشفيات الدولة، أنا سوداني وزميلي مصري وزميلتنا يمنية ونريد أن نقول لكم نحن نحبكم ونحب الإمارات"·

yasser.hareb@gmail.com

�����
   

حكاية شاعر عاشق لمصر(2-2):
سليمان صالح الفهد
لماذا يمجدون الطاغية؟ :
د.عبدالمحسن يوسف جمال
نحن جميعا ألكساندرا!!:
سعاد المعجل
مهلا سيد بلير!!:
د. محمد عبدالله المطوع
شكرا كرة القدم:
ياسر سعيد حارب
سفارات وسفراء:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
تسمم صحافي!!:
الدكتور محمد سلمان العبودي
"التفكير الخالق للمعرفة":
عادل رضـا
هوية في مهب الريح:
د. لطيفة النجار
أين وزارة التربية من مدارس التعليم الخاص؟:
محمد بو شهري
مقبرة للحاضر وأخرى للتاريخ:
مريم سالم
هلا فبراير.. دعوة فرح حزينة:
على محمود خاجه
السلطة الذكورية في حضرة الموت:
د. فاطمة البريكي
النفوذ اليهودي في ألمانيا:
عبدالله عيسى الموسوي
دواوين الظل ولوبيات الناخبين.. ونواب بوطقة!:
خالد عيد العنزي*
لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه:
د. نسرين مراد