قبل محاولة تحليل الأحداث التفاوضية التي تجري في الغرف المغلقة بين الجانبين الشرعي الفلسطيني، والجانب الصهيوني، يجب على كل من يتصدى لمحاولة تحليل ما يجري بينهما أن يبني أي ملاحظة تحليلية يقولها على أساس الإقرار بأن الجانب الصهيوني، مع أنه باطل كامل مطلق، يبني مواقفه التفاوضية على أرضية وزارتي الحرب في "إسرائيل" والدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية، وليس على أرضية "حق ما" في فلسطين المحتلة، يدعيه الصهاينة أو الأمريكيون، أو حتى الأوروبيون أنفسهم·
فإذا كان الأمر على النحو المذكور، ربما يتساءل متسائل عن السبب الذي يجعل "الذراع" الصهيونية المدعومة من أذرع الإمبرياليين الدوليين السابقين والحاليين تتفاوض مع "الحق" الفلسطيني الذي لا يجد اليوم أي دعم، مع أن تلك الذراع الصهيونية مستغنية في الوقت الراهن عن تقديم أي تنازلات للجانب الفلسطيني، بسبب التفوق العسكري الصهيوني الحالي، والدعم غير المحدود لصالح الجانب الصهيوني من قبل القطب الأوحد الذي تلف عليه القرية العالمية في زمان الظالمين هذا·
الهدف الذي يبتغيه الصهيوني من أصل إجراء هذه المفاوضات مع الجانب الفلسطيني في الوقت الراهن·· هو أن يتم تصفية هذا الصراع الذي طالت مدة ديمومته·· بالتزامن من توقيت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مجمل الأوضاع في العالم الآن، والدليل على ما نذهب له من رأي هو أن الحلول السلمية بين الفلسطينيين والصهاينة إنما "بدأت" عندما استقرت الحالة الجديدة الناتجة عن انهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية مباشرة، أي في النصف الأول من عاشر عقود القرن الماضي، بمعنى أن "الإسرائىليين" هم على وعي شديد بأن التفاوض مع الفلسطينيين هو من صالحهم هم، بشرط أن يتم في ظروف تسمح لهم بإملاء ما يمكنهم إملاؤه على الجانب الفلسطيني، وهذا الإملاء يستدعي أن يحدث التفاوض في "الزمن الإسرائىلي" الذي نتنفس هواءه الملوث الآن!!
فالجانب "الإسرائىلي" يريد الآن أن يحوّل عملية احتلاله لفلسطين التاريخية الكاملة من البحر إلى النهر، وأبعد من هذه الرقعة الجغرافية أيضا!!، تحويلا "قانونيا" من وصف "احتلال" إلى وصف "حالة تجاورية" مستقرة بين "دولتين" حقيقيتين، اعتمادا على مبدأ قانوني يقول بأن العقد شريعة المتعاقدين!!
بيد أن الصهاينة أخطؤوا خطأ صغيرا هنا، هو أن هذا العقد ليس ملزما لغير "الأطراف" المتعاقدة نفسها من بين الفلسطينيين الذين تم جرّهم إلى هذه العمليات التفاوضية الخاسرة!!
drjr@taleea.com |