رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 جمادى الأول 1425هـ - 7 يوليو 2004
العدد 1635

العراقيون تسلموا السيادة··
فهل بزغ فجر جديد؟

                     

 

·         محاكمة صدام قد تفتح جروح الماضي بين العرب والأكراد والسنة والشيعة

·         علاوي يتصرف كرئيس دائم لحكومة موقتة

 

كان تسليم السلطة إلى العراقيين أشبه بحفل زفاف عسكري، حيث لا احتفالات ولا "معازيم"· فقد اكتفى بول بريمر بتوقيع وثيقة بسيطة واستقل طائرة عائداً إلى بلاده، على عجل وربما دون وداع، إذ إن الاحتفال الكبير ربما نقل الانطباع بأن واشنطن تسلم السلطة إلى مجموعة من الدمى في أيديها، وتحرص الحكومة الموقتة برئاسة إياد علاوي على تبديد مثل هذه الفكرة، ففي الاجتماع الأول لحكومته ألغى قرار بريمر بتعليق عقوبة الإعدام وأعلن عفواً عاماً عن المتورطين في هجمات ضد قوات التحالف شريطة أن يسلموا أسلحتهم ويدلوا بالمعلومات التي لديهم·

واقترح إلغاء أول مرسوم أصدره بريمر ويحظر فيه على كبار البعثيين تولي مناصب في الحكومة الجديدة· ومن أجل نقل إشارة رمزية على انتقال السلطة، باشرت الحكومة الجديدة إجراءات محاكمة صدام حسين ورموز النظام السابق·

وباختصار، فإن علاوي يبدي جدية كبيرة في ممارسة مهامه، فقد بدأت قوات الشرطة العراقية منذ الساعات الأولى لتوليه السلطة سلسلة مداهمات لاسيما في بغداد، لدرجة دفعت بأنصار حقوق الإنسان للتعبير عن مخاوفهم· ويقول الليبراليون إن علاوي قد يجري تعديلاً وزارياً يتخلص بموجبه من الشخصيات المقربة منهم مثل وزير التخطيط مهدي الحافظ· وبموجب قرار مجلس الأمن، فإن حكومة علاوي تتولى مسؤولياتها لمدة سبعة أشهر فقط لحين إجراء الانتخابات العامة، لكن علاوي لايتصرف كرئيس حكومة تصريف أعمال!

 

سيادة كاملة

 

ويبدو أن ذلك مصدر بهجة لكثير من العراقيين، لاسيما إذا تبين لهم أن حكومة وطنية تتولى إدارة ثروات البلاد، خاصة وأن تقريراً لمكتب المحاسب العام في واشنطن يتهم سلطة التحالف المنحلّة بإدارة عائدات النفط العراقية بصورة سيئة· ويبدو أنها أنفقت ثلاثة مليارات دولار من أصل 24 ملياراً من المساعدات الأميركية المخصصة للعام الأول من إعادة الإعمار، وأنها بددّت نحو 8.3 مليار من أصل عائدات النفط العراقية البالغة 21 ملياراًَ·

ولكن لن يكون من السهل على علاوي إقناع العراقيين أنه يتولى المسؤولية بالفعل، فعلى الرغم من وجود العلم العراقي الذي يرفرف على مباني الوزارات، فلا تزال هذه المباني محظورة على المواطن العراقي وتقبع خلف أسوار وسياج المنطقة الخضراء الخاضعة لتحصينات مشددّة، صحيح أن سلطة التحالف لم تعد قائمة وأن موظفيها الثلاثة آلاف كلهم رحلوا باستثناء مائتين فقط، ولكن خلال ساعات من مغادرة بريمر، أدى السفير الأميركي الجديد في بغداد جون نيغروبونتي اليمين على رأس ألف وسبعمائة موظف وسيزيد عددهم إلى ثلاثة آلاف·

والأهم من ذلك أن الدبابات الأميركية لا تزال تسير في الشوارع، وتفوق سلطة المدعي العام العسكري الأميركي، سلطة القضاة العراقيين، ويمكنهم إعادة اعتقال أشخاص يبرئهم القضاء العراقي، إذا كان الأميركيون يعتقدون أنهم يشكلون خطراً أمنياً· ففي اليوم الأول من تولي العراقيين السيادة الكاملة، داهمت القوات الأميركية مقر وزارة الداخلية بعد تلقيها تقارير عن أن المحققين العراقيين كانوا يمارسون التعذيب ضد معتقلين في قضايا أخلاقية في مبنى الوزارة، ثم اعتقلوا ثمانية رجال شرطة عراقيين·

 

مؤشرات معاكسة

 

ليس من السهل إعادة إقناع المواطنين العراقيين الذين أغضبتهم صور تعذيب السجناء في سجن أبو غريب في شهر مايو الماضي، بأن الأميركيين أصدقاء لهم· ففي رسالة إلى معهد مختص بالسياسة الخارجية في فيلادلفيا، اتهم حاكم مدني أميركي "القوات المسلحة الأميركية بارتكاب أعمال أقرتها سلسلة القيادة وتشمل إطلاق النار على السيارات العراقية في الطرق السريعة الرئيسية وتدمير الجدران التي كتبت عليها شعارات أو رسومات مناهضة للأميركيين والاعتقال الجماعي لكل رجال قرية أو بلدة ما لأسابيع أو لأشهر واعتقال أفراد من عائلة أحد المطلوبين لإجباره على تسليم نفسه"· وإذا كان ذلك صحيحاً، فهو ليس - بالتأكيد - السبيل لكسب عقول وقلوب العراقيين·

 

تأييد حذر

 

ولكن هناك مؤشرات في الاتجاه الآخر، فرئيس الوزراء العراقي يدرك أن المهمة الأولى الملقاة على عاتقه تتمثل في احتواء المتمردين· وبالفعل، فقد اتصل بالبعثيين وعرض عليهم عفواً عاماً (ويشمل المتهمين بمهاجمة القوات الأميركية ومازالو رهن الاعتقال)· ومازال الوقت مبكراً على رؤية نتائج هذه الخطوات ولكن المؤشرات مشجعة·

فلم تقع موجة تفجيرات السيارات التي كانت متوقعة في الثلاثين من يونيو، وبدأت حركات مناوئة للأميركيين بما فيها رجال دين سنة وشيعة ومجموعات علمانية ذات ميول بعثية مثل حركة الإصلاح تبدي تأييداً حذراً لعلاوي وتندد باستخدام عراقيين للعنف ضد عراقيين آخرين·

ولكن هذه الدرجة من المصالحة لم تنعكس انخفاضاً في عدد الهجمات التي لا تزال تقع بمعدل 50 هجوماً يومياً ضد القوات الأميركية· والآن، وبعد اتخاذ خطوات إعادة البعثيين إلى الخدمة في الجيش والأجهزة الأمنية، فمن المتوقع انخراط الكثير ممن كانوا في جيش صدام، في الحكومة الجديدة· وقد يفوق عددهم أولئك الذين لم يخدموا في ظل نظام صدام، ولكن من يدري لمن يكون ولاؤهم؟

ويأمل علاوي من بث محاكمة صدام على شاشات التلفزة مع تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبها، دفن أي إغراء بالشعور بالحنين إلى الماضي لدى بعض العراقيين· وفي مقابلات أجريت معه مؤخراً، وصف انتماءه البعثي بأنه كان لدوافع قومية على العكس مما هو بالنسبة لصدام الذي كان زعيم عصابة يقود "حفنة من المنحرفين" في حركة كانت مرموقة ذات يوم· ولكن محاكمة صدام تنطوي على خطر إعادة فتح الجروح القديمة بين الأكراد والعرب وبين السنة والشيعة وبين العراقيين الذين عملوا مع صدام وأولئك الذين قمعهم·

ولا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان فجر يوم جديد قد بزغ على العراق أم لا·

 

" عن الإيكونوميست "

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

لأنه كرَّس سلطة التحالف لمنفعة الموالين والمحاسيب والأصدقاء
بريمر قدّم خدمة كبيرة لأعداء أمريكا في العراق

 
يمكن لواشنطن الاقتراب من الفلسطينيين دون الابتعاد عن إسرائيل