رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 17 مايو 2006
العدد 1728

وتد

بيتر هاندكه.. ليس أول المخطئين

 

نشمي مهنا

واستكمالا للعنوان، نقول: ولا آخرهم·

ما يثار الآن من جدل واسع حول منع مسرحية لهاندكه في باريس بسبب مشاركته في مراسم جنازة الرئيس الصربي المتطرف ميلوسوفيتش وموقفه المتضامن مع صاحب المجازر العرقية موقف نبيل من الفرنسيين، ينقون به ساحاتهم وساحات العالم من خطايا المثقفين·

باريس، وريثة الثورات ببياض حرياتها وإحمرار الدماء على منعطفاتها التاريخية تبقى ضمير ثقافتنا الكونية الحي، حتى وإن أطلت أصداء من الماضي البعيد تردد قول هيغل "نابليون روح العالم" ورغم الفارق الكبير بين القائدين السياسيين، لكن تظل هذه الأصداء تعيد حكاية المثقف والسياسي· الصنم وظله·

مقولة لا تحرج أحدا في بلاد الأنوار، لكنها تذكِّر بالخطايا الموزعة على كل ساحات عالمنا، بالتساوي·

لا حاجة لإعادة التذكير بالعرب وعلاقة مثقفيهم بطغاتهم· فصدام حسين لم يمت بعد، ومازال شهود وأبطال وضحايا حكاياته أحياء· اختفى فقط طنين مثقفيه وشعرائه وفلاسفته ورساميه، وإن هم ينتظرون اللحظة الرخوة للولادة من جديد أمام طاغية جديد، وفي بغداد غير بغداد·

عندما تحاسب العواصم الثقافية العالمية ضميرها، حاضرها وماضيها، وتحرج أرباب الثقافة الخطائين، لن يتذكر أحد عالم العرب بكل ما يحويه صندوقه الأسود المغلق، لن يهتم أحد لقول نزار قباني في وصف زرقة عينيْ صدام، ولا لقصيدة يوسف الصايغ في مدح العِرْق النافر في يد الطاغية، ولن يضيع أحد وقته في ترجمة قصيدة أو رواية أو قصة قصيرة تتغزل بطاغية، أو رئيس دولة، أو أمير، أو وزير·

يقول ماريا فارغاس يوسا "الدكتاتور لا يأتي إلا إذا استدعيناه" والعرب هكذا، يستدعون، ويخلقون، ويتلقفون كالقابلة طغاتهم·

كل ما يهتم له العالم المتحضر هو تقويم المثقف وتقليم نزواته الطائشة لما له من أثر خطر في التعمية والتمويه على قلوب قرائه الغاوين وراء انحرافاته·

خطيئة الرمز الثقافي أوسع من بحر خطايا· كعكة توزع بالمجان لكل المارة على صفحات كتبه، فتتوّه الآلاف بالأفكار الضالة·

لذا يوقف هاندكه عند حد حرياته الشخصية· ويمنع عن التعميم·

قبله جنايات كبيرة ارتكبها آخرون كبار سجلها التاريخ· لا تبرر موقفه ولا تقلل من فداحته·

ففي عواصم الضوء، لا كبير ولا عتمة·

يُفضح موقف سارتر في تعاطفه مع المنظمة الألمانية الإرهابية "بادر ماينهوف" ويهاجم لزيارته معتقلي المنظمة في سجونهم·

يُدان، قبله، الكبير هايدغر ورؤيته في هتلر "الخلاص"، وتلفظ مقولته في الفوهرر التي لا تصدر إلا عن مهووس عاشق "لا قيمة للثقافة·· انظر الى يديه المثيرتين للإعجاب" عندما أجاب عن سؤال الصحافي: "كيف يحكم هتلر غير المثقف ألمانيا؟!

قضية استطاع الضمير الحي هناك تفتيت حجارتها الصلبة وتخفيف وقعها على الرؤوس، بينما تظل في عالمنا المنزوي تتدحرج من علو وتكبر، وتقتل·

بعضها يرتطم في ثنايا الجبل، فيسكن لحين، بانتظار طاغية جديد!

nashmi22@hotmail.com

طباعة  

محاضرة
 
قراءة
 
بيان
 
قضية
 
المرصد الثقافي