كثيراً ما سمعت من المصطافين الكويتيين عند عودتهم من لبنان عن تحفة معمارية تسمى (قصر موسى) وعن روعة التصميم والمكان الجميل والخلاب الذي بني القصر فيه، وكان لي شرف زيارة هذا المكان قبل أسبوعين عند تواجدي في لبنان وكانت المرة الأولى لزيارة هذا البلد، وعند وصولي للقصر ومرافقة الدليل السياحي لهذا المعلم فوجئت بأن صاحب القصر موجود على قيد الحياة واسمه بالمناسبة (موسى المعماري) لأنني طول المدة كنت أتوقع أن القصر من التراث القديم جداً كبيت الدين مثلاً· وعند سؤالي للدليل عن سبب بناء هذا القصر؟ أجابني الدليل أن هذا القصر له قصة مؤلمة بالسابق لكن اليوم له قصة جميلة وممتعة لأن صاحب القصر عندما كان طفلاً يحلم ببناء قصر حسب ما يتخيله لذلك كان كثير الشرود وعدم الانتباه لما يقوله المدرس وكانت النتيجة العقاب والسخرية من المدرس لهذا الحلم التافة واللامعقول بنظر المدرس والطلاب وكلما كان موسى يكبر بالعمر كان حلمه ببناء القلعة يكبر معه، لكن للأسف لايجد سوى التهكم والضحك على مشروعه حتى أقرب الناس إليه زوجته كانت تعتبر موسى يعيش أسيراً لحلم وهمي وخيالي فطلقها وكانت الشرارة الأولى لبناء هذا القصر· واستغرق بناء هذا القصر لأكثر من 10 سنوات جمع فيه تراث وتاريخ لبنان كله بهذا القصر، ففيه مجسمات عن حرف لبنان القديمة وسبل المواصلات والحياة الاجتماعية وجسدها كلها بمجسمات للتوضيح بالإضافة إلى مجموعة من الأسلحة القديمة من العصر العثماني حتى الاحتلال الفرنسي للبنان وتعد هذه المجموعة من أكبر المجموعات بالشرق الأوسط حيث تبلغ 16 ألف قطعة سلاح·
وطول فترة الجولة بالقصر كنت مشدودا لهذا الصرح وصاحب هذه الفكرة التي جسدها على أرض الواقع بعدما كانت يوماً حلماً يسخر منه الكثير، لكن موسى رد عليهم بالفعل لابالقول ليكون معلماً من معالم لبنان السياحية· فبكل صراحة سردت هذه المقدمة الطويلة عن قصر موسى، بعدما رأيت تحركات شباب من بلدي الداعمين لإصلاح الدوائر الانتخابية وأطلقوا على أنفسهم "نبيها خمس" سُعدت جداً لهذا التحرك ولي كل الشرف أن أكون أحد الداعمين لهذه الحركة التي بفضلها تحرك النواب وتحرك معهم الشارع الكويتي متفاعلاً مع هذه الفزعة لإصلاح البلد قبل إصلاح الدوائر، فبفضلهم أقاموا الندوات ونظموا المسيرات السلمية غير مهتمين ولا مبالين بما سيقوله الناس عنهم· ولهم الفخر أنهم بدؤوا بـ 200 شخص تجمعوا عند قصر السيف لتصبح بساعات قليلة عبارة عن آلاف الأشخاص المؤيدين لهذه الحركة الوطنية· ولهم الفخر أنهم جمعوا كل أطياف المجتمع من إسلامي وليبرالي وشيعي وسني وقبلي وحضري لأن همهم القضاء على الفساد السياسي والانتخابي والارتقاء بالمجتمع·
وأقولها وأنا فخور أن هذه الحركة كانت للرد على من تطاول عليهم بالقول بالندوات: بأنهم ناس مدعومون من الخارج ويريدون لهذا البلد الدمار والخراب· وهناك من قال: لوكنت وزيراً للداخلية لأرسلت عليهم القوات الخاصة· والآخر قال: والله لا أضربهم بالعقل (جمع عقال) وكأنهم يريدون العودة بنا لعصر الفداوية؟ أو لعصر السمع والطاعة وعدم المناقشة وأن لا نخالف رأيهم·
وليسمحوا لي بالقول إن عزيمتنا أكبر من عزيمتكم وحلمنا أكبر وأجل من أحلامكم وطاقتنا أكبر من طاقاتكم· فعزيمتنا كبيرة لأننا نساند بعضنا بعضاً وأحلامنا لا تنتهي لأننا نريد الأفضل لهذا البلد بغض النظر عن الهوية الطائفية والاجتماعية وطاقتنا لا تنتهي لأننا امتداد لأناس جبلوا على قول الحق دون خوف أو مواربة فمنهم نستمد عزيمتنا وحلمنا وطاقتنا وبالأخير أوجه تحية إجلال وإكبار للدكتور أنس الرشيد صاحب الموقف الشهم والبطولي عندما استقال من منصبه الوزاري رافضا التعدي على الدستور ومكتسبات الأمة بحجة العدالة والحرية والمساواة والله يوفق الجميع لخير هذا البلد والله كريم·
(1) عنوان المقالة جاء بتصرف مني بعدما أخذته من عنوان مذكرات (أحلامي لا تعرف حدوداً) لتشيسي غيفارا |