· انهالت على العبدالله المكالمات و"المسجات" المتمحورة حول ضرورة مغادرته لبنان المجاهد الصامد فورا ومن دون تلكؤ أو تردد!
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما جدوى النصيحة الجاهزة، والموعظة الوارمة بالحكمة، إثر وقوع البلية والمصيبة والمحنة؟! والسؤال موجه - بالتحديد - الى أولئك الذين شرعوا بمطالبتي بالخروج من لبنان في التو والحين! حسنا اللهم لا اعتراض على حكماء بني نفط، ومواعظهم الجاهزة كما البضاعة "التايوانية!" ولو أني سمعت موعظة أحدهم: لكنت الآن في عداد المفقودين الواردة أسماؤهم في ذيل النشرة الإخبارية! ذلك أن كل الدروب المؤدية الى دمشق محفوفة بالموت طوال الوقت! بصراحة شديدة، قد تكون فظة وقاسية، أقول: إن جل المكالمات والمسجات كانت عاطفية مضمرة بالاستفزاز الذي يستفز الحجر فما بالك بالبشر! ولا يظن ظان بأنني كنت ضد مبدأ مغادرة موطن الخطر، غاية ما هنالك يكمن في أنني ضد الهرولة العشوائىة الفورية المنطوية على أخطار محتملة شتى! حسبنا دليلاً على ما ذهبت إليه: استدعاء مشاهد الدمار التي طالت البشر والحجر في المواقع الحاضنة للبنية التحتية لشعب لبنان كله·· لا لحزب الله كما تزعم إسرائيل وتفتري· من هنا، وكما ترون، فإن موقف العبدالله الذي كان متشبثا بالصمود في الأيام الأولى للعربدة الإسرائيلية يدل على حذر معجون بالخوف والخشية على الحياة، ولم يزعم البتة بأنه يمارس صمود الشجعان الذين يقتحمون الخطر فتوهب لهم الحياة! وأعتقد جازما بأن الصيغة الهادئة التي تم بها إجلاء السيّاح الكويتيين والمقيمين العرب من لبنان الصامد تستاهل التنويه والإشادة، لما انطوت عليه من حسن تنظيم وعمل مستمر أوصل الليل بالنهار ليمكن الجميع من المغادرة دون أن يتمخض عنها أي ضرر·· ولله الحمد، هذا إذا تجاوزنا عن السلوك الشاذ الذي صدر عن بعض المواطنات والمواطنين! مثل ذلك المواطن الذي حضر فندق سفير بحمدون، مركز التجمع والانطلاق متأخرا جدا، ومع ذلك يصر على السفر بمعية الذين حضروا مبكرا جدا· فثمة مواطن من هؤلاء الشاذين رمى نفسه أمام إحدى الحافلات معلنا بلسانه بأنه لن يدع الحافلة تمر من دونه، وتلك السيدة التي رفضت الرحيل بدعوى أن الحافلة ليست جديدة و"سكراب" تشينها الخدوش التي طالت لون هيكلها! أو تلك الأسرة التي حرنت ولم تركب الحافلة لأن مستواها الاجتماعي يستوجب من السفارة أن تمنحها سيارة صالون خصوصية مكيفة الهواء ذات ماركة تجارية عالمية شهيرة! لكن صبر وسعة صدر سعادة السفير علي سليمان السعيد وهمة معاونيه تمكنت من احتواء التصرفات اللاسوية كافة! المهم أن المصطافين الخليجيين غادروا بأمان الله·· ووصلوا الى دورهم ومناطقهم السكنية في بلادهم، وقد حرص البعض منهم - قبل مغادرته - على استضافة الأسر النازحة في بيوتهم الصيفية، وقام غيرهم بتفويض حراس العمارات وأصدقائهم اللبنانيين للقيام بمهمة الأسر المنكوبة النازحة من الجنوب، وبيروت الجنوبية وغيرهما! والحق أن هذه البادرة الطيبة حدّية بالتأسي والتقليد من قبل الراغبين في ترجمة حبهم للبنان واللبنانيين بالفعل الخيري المذكور إياه، لأن شد الأزر الشفهي البلاغي لا يسمن ولا يغني من جوع وتشرد وغيرهما! لكنه يثبت بالدليل القاطع على أننا: "أمة صوتية" بامتياز!! |