يذكر المؤرخ اليوناني الشهير هيرادوتس Herodatous من خلال كتاباته في القرن الخامس قبل الميلاد عن شعب الليدينس Lydians الأتراك حاليا - إنهم أول من عرفوا العملة النقدية، الليدينس كانوا يسكون العملة من الذهب والفضة، الطريف أنهم يصممون جهة واحدة من العملة النقدية والجهة الأخرى تكون على شكل ثقوب صغيرة فقط· فيما ظهرت العملة الورقية على يد الشعب الصيني·
لا يختلف اثنان على دور وأهمية المال في تسيير أمورنا المعاشية، "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، المال الحلال والنظيف يجلب لنا السعادة وراحة البال، المال مغر لدرجة أن الكثيرين يتشوقون لمشاهدة المسابقات والبرامج التي ترصد لها مبالغ مالية ضخمة·
من الجوانب الأكثر سلبية وخطورة للمال، في فترة الثمانينيات من القرن الماضي أخبرني أحد الأصدقاء عن المصاعب التي واجهها أثناء فترة دراسته في الولايات المتحدة، يقول صديقي "في إحدى الليالي المدلهمة بالظلام والمائلة للبرودة الشديدة اتصل به شخص من أصحاب السوابق، ليقترح عليه عرضا مخيفا وغريبا تمثل العرض بالشكل التالي: قال صاحب السوابق لصديقي هل تكره أحدا وتريد قتله؟! إني على استعداد أن أقتل من تود نظير 1000 دولار! حتى وصل العرض مقابل 500 دولار أي ما يعادل 150 دينارا فقط لا غير!! ثمنا لقتل إنسان وإنقاذا لكيس صاحب السوابق·· الله أكبر على هكذا صنف من البشر·
أيضا للمال علاقة كبيرة بالسياسة والساسة، فلولا أموال رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق برلسكوني لما تحقق له النجاح، إلا أنه في الانتخابات الأخيرة التي ظفر بها رومانو برودي فإن أموال برلسكوني وإمبراطورية الإعلام التي يمتلكها لم تسعفه، وذلك بسبب تملصه من الكثير من الوعود التي اقتطعها على نفسه، وكذلك تلاعبه في مشاعر الناخبين، وعليه ينبغي على بعض المرشحين لمجلس الأمة القادم أن يتعظوا مما حصل لبرلسكوني وآخرين من أصحاب رؤوس الأموال، فليس المال دائما السبب والشفيع لوصول أي مرشح ما لم يلتزم بوعوده والمصداقية، ربما شخص ما يتساءل لماذا بعض المرشحين عندنا يستميتون من أجل الوصول الى كرسي البرلمان؟ البعض منهم يملك المال ولا يملك المركز المرموق والبعض الآخر يريد المركز من أجل الحصول على الكثير من الامتيازات على حساب أموال الأمة للأسف·
لا شك أن الكثير منا يمتعض وبشدة من الأساليب الملتوية التي من خلالها يتم شراء ذمم الناخبين وعلى سبيل المثال عندما نجد عند بعض الطرقات إعلانا عن شراء البطاقات المدنية أو شراء أسهم ثم يتضح أن الهدف شراء جنسية الناخب وذاته! حقيقة كيف يقبل البعض على بيع ضميره ووطنه من أجل حفنة من الدنانير ومهما بلغ الثمن؟ أين الكرامة وأين الحس الوطني يا ناس؟ الخزي والعار للراشي والمرتشي·
العجيب والغريب في الأمر أن معظم الذين يقدمون على قبول الرشوة ينعمون بحياة كريمة ومحترمة، لاسيما أننا في بلد غني باقتصاده ولله الحمد، أما بالنسبة للأقلية من الناخبين الذين يعانون نقصا في الأموال، باستطاعتهم اللجوء الى وسائل شرعية أخرى، مثلا البحث عن عمل إضافي بجانب عملهم لدى الدوائر الحكومية أو ادخار بعض من المال لعمل مشروع تجاري صغير يسد النقص والعجز عندهم، يبقى سؤال يفرض نفسه وموجه لهؤلاء المتواطئين المتآمرين على بيع الوطن وذاتهم مقابل أبخس الأثمان، كيف يمكننا أن نصف حال هؤلاء لو كانوا مثلا يقطنون في إحدى الدول الإفريقية الفقيرة؟ هل نتوقع أن تصل بهم الأمور الى الأسلوب نفسه الذي اقترحه ذلك المشبوه على صديقي؟!
freedom@taleea.com |