· أدخل الجيل التالي من المجمعات التجارية مفاهيم جديدة لعملية التسوق
· نشأت علاقة تبادلية مربحة بين ملاك المولات وأصحاب المشاريع المميزة
· الأمان والسلامة الشخصية ميزة مهمة حققتها المجمعات التجارية في جذب روادها
كتب ابراهيم المليفي:
تشهد العواصم والمدن الآسيوية من طوكيو الى مسقط، تحولات كبيرة في فلسفة مفاهيم التسوق لدى مواطنيها، نتج عنها تشييد عشرات المجمعات التجارية الفسيحة ذات التصاميم المبتكرة والأدوار المتعددة، في عملية تنافسية أشبه بالثورة على نظام التسوق التقليدي، أخذت أوجهاً وتفسيرات متعددة إذ يرى فريق أن ثقافة الاستهلاك باتت تستعر أكثر فأكثر وفريق آخر يرى فيما يحدث، تطوراً طبيعياً لعالم متغير ومتعولم أو في أبسط الأحوال تجميعاً لأسواق متعددة في مكان واحد·
صراع الأصالة والحداثة والتكيف
تصطف المحلات والمتاجر على ضفتي الطريق والناس يمرون بجانبها، تارة ترى وجوههم وتارة آخرى ظهورهم، بعض تلك المحلات يظلل واجهتة بمظلة سميكة اتقاء لأشعة الشمس، وعندما تتساقط قطرات المطر يلوذ المارة بأقرب ساتر ومنهم من يدلف مسرعا الى جوف أحد المحلات متظاهرا بشراء أي شيء·
تلك كانت هي الصورة التقليدية لنظام التسوق الذي ألفه الناس منذ زمن بعيد، إلا أن فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، شهدت ظهور أول مجمعات تجارية للتسوق الشامل في بعض المدن حول العالم، تتلخص فكرتها في تجميع لمحلات تبيع كل شيء لا أكثر، وقد لاقت مجمعات الجيل الأول - في زمانها - نجاحا كبيرا ساهم مع مرور الوقت في تطوير فكرتها خلال مدة زمنية قصيرة ·
إلا أنه ومنذ منتصف التسعينات، وقفت مجمعات الجيل الأول مشدوهة من الإقبال الساخن على الجيل الأحدث من المجمعات التجارية، بعد أن تحولت الى عوالم متكاملة ترنو لإبقاء الزبائن بداخلها لأطول فترة ممكنة، وهو ما يفسر حرصها على توفير عشرات المطاعم ودورات المياه النظيفة والواسعة لقطع أعذار الراغبين بالعودة لمنازلهم·
وعمدت بعض مجمعات الجيل الأول على تكييف نفسها لمواجهة المعطيات الجديدة في عالم التسوق، عبر تخفيض الإيجارات وعمل الكثير من عمليات الترميم والتجديد لواجهاتها، إضافة الى إخلاء بعض الأدوار لتحويلها الى صالات سينما·
جديدة
تمضية بعض الوقت الجميل في السينما أو الذهاب لمطعم راق أو حتى شراء بعض مستلزمات البيت الضرورية يحتاج في السابق لتوزيع تلك المتع والمهام على عدة أيام، لأن كل بضاعة أو خدمة لها سوقها الخاص، أما اليوم في عالم المجمعات التجارية الضخمة لم يعد من المستحيل القيام بكل ذلك في يوم واحد وفي مكان واحد أيضا·
لقد أدخل الجيل الثاني من المجمعات التجارية مفاهيم جديدة لعملية التسوق، مزجت ما بين التسوق والمتعة وتكثيف عوامل الجذب والراحة للزبائن بمختلف أعمارهم تحولت تلك العملية إلى حزمة متينة من الترفيه والمتع المتعددة لأفراد الأسرة بأكملها وليس فقط للمراهقين الصغار · كما نشأت علاقة تبادلية مربحة بين ملاك المجمعات التجارية وأصحاب بعض المشاريع غير المألوف تواجدها داخل الأسواق، بحيث يستفيد الطرفان من جمع زبائنهم في مكان واحد، وليس من المستغرب - في أجواء التنافس - أن تجد داخل بعضها أندية رياضية صحية متكاملة على سبيل المثال، وفي إحداها في العاصمة التايلندية بانكوك، خصص الدور تحت الأرضي لحديقة أسماك ضخمة (أكواريوم) أضافت بعدا جماليا لذلك المجمع التجاري·
التفوق لماذا؟
يلعب الطقس السيئ في قارة آسيا دورا مهما في تحديد أذواق واختيارات سكان تلك القارة الحارة والرطبة خاصة في منطقة الخليج العربي وجنوب شرق آسيا وتأتي المجمعات التجارية المكيفة والباردة لتحل جزءا مهما من تلك المشكلة· وبعضها حرص على فتح أبواب مشتركة أو مد جسور مغطاة نصف زجاجية مكيفة لتسهيل انتقال الزبائن فيما بينها·
وولدت الثورة الجديدة في عالم التسوق عادة اجتماعية لم تكن موجودة من قبل وهي رحلة (ترفيه/تسوق) تناسب جميع أفراد الأسرة، فالأب يتجه لدور الإلكترونيات والأم تنتقي ملابس جديدة لمناسبة قريبة، الأبناء يتجهون للسينما أو ركن ألعاب الفيديو، والأطفال الصغار يقضون وقتا ممتعا في الحضانة المجهزة بألعاب لا تتوافر في المنزل عادة · وفي نهاية الرحلة يلتم شمل الأسرة حول طاولة واحدة لتناول وجبة الغداء أو العشاء، وقبل الذهاب للمنزل من الممكن شراء بعض حاجيات البيت، إذا الخيارات متاحة لجميع الأذواق·
ويشكل جانب الأمان والسلامة الشخصية في المجمعات التجارية الضخمة، خاصة في المدن التي تكثر فيها جرائم السرقة والاغتصاب، محددا رئيسيا في تفضيل مجمع على الآخر لدى بعض الأسر التي تريد ترك صغارها يمرحون داخل مركز تجاري يعج بعشرات رجال الأمن، والشيء نفسه يقال لبعض النساء والفتيات اللاتي يرغبن بجولة تسوق ممتعة خالية من مضايقات المراهقين وتحرشاتهم·
وشكلت مجمعات الجيل الثاني ركنا مهما في مواسم التخفيضات وتنشيط قطاع السياحة الذي جذب نوعا جديدا من السياح يقبلون على البلاد فقط من أجل التسوق وقضاء أغلب الأوقات داخل المجمعات التجارية، ويوجد نوع من تجار التجزئة في منطقة الخليج العربي يستهدفون مجمعات تجارية ومصانع في شرق آسيا بهدف شراء بضائع رخيصة الثمن وبيعها بأسعار مضاعفة في بلدانهم، وبرزت الصين مؤخرا في مجال بيع الأثاث المتكامل بأسعار تنافسية وتنتشر إعلانات الشركات الوسيطة التي تخير الزبائن ما بين الشراء عن طريقها أو السفر بمعرفتها إلى الصين ليختار الزبون حاجياته بنفسه·
عولمة المجمعات
وزعت طبقات الجيل الجديد من المجمعات التجارية على شاكلة شبه موحدة في أغلب مدن العالم، على سبيل المثال دور للملابس ويتم تقسيمه لجميع الأعمار ودور لمطاعم الوجبات السريعة ودور للأثاث والسجاد ودور للأجهزة الكهربائية ودور للخضراوات والفواكه وجميع احتياجات المنازل، وربما تم الاتفاق بين أغلب المجمعات على تخصيص الدور الأعلى لصالات السينما التي تعرض أحدث الأفلام الغربية والمحلية·
ورغم أن المجمعات التجارية الحديثة رغم تمتعها بميزة تقديم كل شيء من البضائع والترفيه إلا أن بعضها تخصص في استقدام العلامات التجارية الباهظة في كل شيء، وحتى نوعية دور السينما فيها مختلفة إذ لا تتسع صالاتها سوى لعدد قليل من المشاهدين ومقاعدها جهزت للتمدد والاسترخاء كما لو أن المشاهد جالس في منزله وربما أفضل، وعلى العكس تماما منها تكثر المجمعات التجارية التي تتناسب أسعار بضائعها مع أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية، وهو ما يعني أن الدخول الى جنة المجمعات التجارية أمر غير مستحيل لجميع الناس·
