· ألم الأم حين يقول لها الطبيب: "إن طفلك مريض بالسرطان لا علاج له" لا يضاهيه ألم
· 455 طفلا يعيشون حياة حرجة وهم بحاجة إلى عناية ورعاية متميزتين
· منتصف الشهر الجاري بدء حملة الإعلان عن المشروع
· نهدف إلى رعاية مايقارب 500 طفل حتى مرحلة الوفاة لنوفر عليهم عناء مراجعة المستشفى
كتبت سعاد بكاي:
تفتقد الطفولة معانيها البريئة وأحلامها الجميلة بوفاة الأطفال في سن مبكر إثر أمراض مستعصية مثل الأورام السرطانية، هذا المرض الأخطبوط الذي يمتد إلى جسد الطفل الصغير الذي يعاني منه فترة طويلة حتى لحظة الوفاة ويحرم بسببه من ممارسة حياته من لعب وذهاب إلى المدرسة ومخالطة الأصدقاء، حتى أن الألم والمعاناة يسريان ليس فقط في الطفل إنما في الأب والأم وإخوة الطفل المريض، فالأم عندما تشاهد ولدها يتعذب عند وفاته يصيبها ألم لا يضاهيه ألم·
جاء إنشاء (بيت عبدالله) من هذا المنطلق الإنساني لمنح الطفل حقه في ممارسة ما يحب بجانب الرعاية الطبية المتميزة وإبعاده عن شبح العلاج الكيمائي والصورة المرعبة للمستشفيات في ذهن الطفولة وتخفيف معاناته ومعاناة ذويه، كان هذا المشروع وليد عمل تطوعي للدكتور هلال الساير وزوجته مارغريت (مدرسة الأحياء) اللذين أكدا من خلال تصريح خاص لـ"الطليعة" قبل البدء الرسمي للإعلان عن المشروع بأسبوعين بأن أهداف المركز الإنسانية هي تقديم الدعم وتخفيف ألم الطفل برعاية طبية سكنية بشكل متميز ومحبب للأطفال، وأضاف بأن الدعم والعون سوف يشمل أفراد العائلة وأخوة الطفل المريض حتى بعد وفاته وأن (بيت عبدالله) سيكون مركزاً لرعاية الأطفال أثناء الحالات الحرجة، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط وسيبدأ رسمياً استقبال التبرعات لهذا المشروع الخيري الإنساني من منتصف شهر أبريل الجاري وفيما يلي تفاصيل اللقاء مع د· هلال الساير وزوجته:
· ماهي قصة إنشاء مركز (بيت عبدالله) ولماذا هذه التسمية؟
- بيت عبدالله··· في الحقيقة هو مركز وليد لعمل تطوعي لدعم الأطفال الذين يتوقع وفاتهم في سن الطفوله ويعانون من أمراض لا شفاء لها والدعم يشمل الطفل والعائلة معاً بتوفير مناخ عائلي حميم مساعد للطفل ويقدم عناية عائلية شاملة ومرنة، كما يقدم المركز خدمات تشمل المساعدة لتخفيف الألم والتحكم بالأعراض ويشتمل البيت على مرافق عناية يومية للألعاب والاستجمام بالإضافة إلى مرافق سكنية للراحة والطوارئ والعناية الصحية المتقدمة ومدرسة وصالة للألعاب وموقع خاص بالهايدروثربي ومحلات بيع وحديقة، وتهدف فكرة إنشاء المركز لأن يكون بيتاً بديلاً عن البيت الأصلي للأطفال وعائلاتهم الذين يحتاجون الدعم ليحيوا حياة كريمة ومتعافية·
· كيف كانت البداية؟
- بداية الموضوع كان في عام 1989، في ذلك الوقت كنا نعمل كأفراد ولم يتم إشهار الجمعية الكويتية لرعاية الأطفال في حينه، وقمنا بدعوة عامة للجميع لحضور ندوة بمشاركة محاضر من إنجلترا وهو بروفسور في علم النفس لشرح كيف يدرك الطفل مصطلح الموت؟ وكانت نسبة الحضور وتجاوب الجمهور مع موضوع المحاضرة كبيرة جدا، وبعد انتهاء الندوة أتت سيدة إلى زوجتي مارغريت وهي بالمناسبة مدرسة أحياء وحدثتها عن مرض ولدها بنبرة حزينة قائلة: ولدي يعاني من مرض السرطان، وبعد مرحلة طويلة من العلاج في إنجلترا إتفق الأطباء بأن حالته لا شفاء منها وقد عاني الكثير من تناول الأدوية والعلاج الكيميائي· ونصحنا الطبيب المختص بالعودة للوطن بعد ما يأس من العلاج وتدهورت حالته الصحية، ولكثرة معاناته من العلاج الكيميائي وأجواء المستشفيات وحرمانه من حياة الطفولة بسبب المرض وأعراضه تعاهدت معه بعد العودة إلى الكويت بأني لن أسمح بمكوثه في أي مستشفى ورعايته في البيت بين أخوته وإبعاده عن الألم قدر ما أستطيع، بعد ذلك الحديث الإنساني المؤلم توجهت بسؤالها إلى زوجتي قائلة: هل يمكنكم تقديم مساعده طبية لولدي وهو في البيت؟ كنت في ذلك الوقت أعمل في قسم الجراحه، وكان د· دريد موجوداً معنا وهو متخصص في الأورام السرطانية وتكونت الفكرة لدى زوجتي بتكوين فريق طبي لمعالجته في البيت وساهمنا في تخفيف آلامه ومعاناة ذويه حتى فارق الحياة بعد 9 شهور وكان اسم هذا الطفل "عبدالله"· ويمثل لنا جميعا كفريق طبي تجربة طيبة وجميلة، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة تطبيق المشروع ببناء مقر وتقديم مساعدة للأطفال الذين يعانون من أمراض لا شفاء منها وتقديم علاج سكني لهم، وتقديرنا للتجربة الأولى قررنا تسمية المركز بـ (بيت عبدالله)، وهي فكرة زوجتي مارغريت، وكنت أنا عاملا مساعدا وهذا المشروع هو عمل تطوعي يمنح الفريق الطبي والمساهمين للمشروع الفرصة لتقديم خدمة إنسانية للأطفال· وحين عرض فكرة المشروع لسمو أمير البلاد وكان آنذاك وزيرا للخارجية وافق على تخصيص أرض بمساحة 60 ألف متر في منطقة الصليبيخات مقابل وزارة الصحة، وهو موقع جميل حسب الخريطة المعدة للمشروع، ويشمل جميع المرافق التي تهيئ أجواء الراحة النفسية للطفل المريض·
· هل يستقبل المركز حالات أو فئات معينة من الأطفال لرعايتهم؟
- أولا حسب قوانين وزارة الصحة يعتبر عمر الطفل منذ الولادة حتى 12 سنة، أما بعد ذلك فيصنف مع البالغين وتستقر الحالة في جناح الرجال أو النساء، ولكن عالمياً سن الطفولة يعتمد من تاريخ الولادة حتى 18 عاماً، ولأننا في الكويت فالمركز يستقبل الحالات العمرية حسب التنصيف الوزاري دون 12 عاماً للطفل، أم الأمراض فهناك نوعين من الأمراض التي لا شفاء منها وهي أمراض خلقية، وبسبب هذا النوع من الأمراض الطفل لا يتعدى مرحلة الطفولة ولا شفاء له بالمستقبل· والنوع الأخر الأمراض المتسعصية وهي الأمراض السرطانية، ولكن شرعنا كبداية لتطبيق المشروع بالنوع الثاني وهي الأمراض السرطانية وهي فئة الأغلبية، ويجب الإشارة بأن المركز يستقبل جميع الأطفال المرضى دون النظر إلى لون أو جنسية أو دين الطفل·
· ولكن ماذا يقدم المركز من خدمات لهؤلاء الأطفال وهم يواجهون أمراضاً غير قابلة للشفاء وحياة قصيرة إثر موت مبكر؟
- حين إعداد خطة المشروع تم النظر في خدمات المركز لتدور حول ثلاثة محاور من طرق العلاج، المحور الأول تقديم سكن يختلف عن أجواء المستشفيات في شكل بيت مصغر لسكن الطفل والأم لمدة أسبوع أو أكثر، من خلاله يعيش الطفل أجواء جميلة لتلقي العلاج، والمحور الثاني هو زيارة الطفل وذويه للمركز للعلاج اليومي، وبعد ممارسة اللعب وعناية الإخصائين وتلقي العلاج يعود للمنزل، أما المحور الثالث فهو العلاج بالمنزل أي زيارة الفريق الطبي للمريض في البيت وتقديم المساعدة اللازمة· وحالياً بدأنا في تقديم هذا النوع من العلاج منذ 14 شهراً، ومن خلال العلاج السكني قدمنا المساعدة والدعم لـ7 مرضى، 3 منهم توفوا· وقد ساهم الفريق الطبي بتخفيف آلام الطفل والعائلة معاً، وهذه التجربة أسعدت الأطفال وعائلات المرضى حتى أنهم أصبحوا يترقبون زيارة الفريق الطبي يومياً·
· كيف يعمل الفريق الطبي لمرحلة العلاج السكني وكيف يقدم الدعم لعائلات الأطفال المرضى؟
- الفريق الطبي فريق متكامل من طبيب اختصاصيين نفسيين وممرضات واختصاصي حياة الطفل ومرشد ديني واختصاصي علاج طبيعي وطبيب مختص بتخفيف الآلام وأعراض المرض، والعلاج الذي يقدمه الفريق ليس فقط من أجل الطفل المريض ولكن يشمل الرعاية الطبية والنفسية للعائلة، ولا يمكننا تجاهل المعاناة التي يعيشها الأهالي فترة طويلة وهم يشاهدون يومياً الطفل وتدهور حالته الصحية وقرب وفاته، وأيضا تشمل الرعاية الطبية المنزلية أخوة الطفل الذين قد تتكون لديهم مشاعر الغيرة والنفور من أخيهم المريض بسبب اهتمام وتوجه الأم والأب له وتجاهلهم بعض الشيء بسبب الحالة المرضية، لذلك نسعى للتحدث معهم بشكل يومي ورعايتهم بهدف الوصول إلى رعاية طبية منزلية متكاملة، كما أود أن أشير إلى مساهمة ناصر الساير بالتبرع بعدد (2) جيب تويوتا لاند كروز للفريق الطبي المنزلي، وقامت شركة Blue Gray بتصميم جميل للغطاء الخارجي للسيارة كما هو في الصورة يتناسب مع أفكار الطفل وينمي انطباعاته الإيجابية·
· هل تعتقدون بأن نسبة الأطفال الذين يعانون من حالات مرضية فشل العلاج فيها في الكويت كبيرة؟ وهل هي في تزايد طيلة السنوات السابقة حسب الإحصائيات؟
- الإحصائيات متفاوتة من سنة إلى أخرى، وهي غير مستقرة، وكأي إحصائية مرض آخر يزداد العدد في سنة، وقد يكون أقل في السنة الأخرى حسب طبيعة المرض وانتشاره، ولكن هناك عدد كبير في الكويت والدول الأخرى المجاورة قد يعانون بشكل يومي من آلام وأعراض الأمراض المستعصية ويحتاجون إلى رعاية طبية متميزة بعض الشيء، خاصة وأنهم يمرون بمراحل علاجية صعبة من علاج كيميائي وجراحه للنخاع في بعض الحالات، وفيزيوثرابي· وقد يولد هذا الشيء في نفوسهم شعور بالنفور والكراهية لأجواء المستشفيات ولا يرغبون بالمكوث فيها، لذلك كانت فكرة إنشاء المركز لخلق أجواء علاجية محببة للطفل ومختلفة عما هو متوفر حالياً·
· لماذا لم ينتشر(بيت عبدالله) إعلامياً مقارنة بباقي المراكز الخيرية والصحية؟
- في الحقيقة الخريطة النهائية سيتم اعتمادها في منتصف هذا الشهر وبعد ذلك سنبدأ رسميا بالإعلان عن المشروع للجمهور ، علماً بأن هناك الكثير من الجهات الرسمية والمؤسسات والأفراد حين علموا عن فكرة إنشاء بيت عبدالله وأهدافه الإنسانية السامية تقدموا فوراً بالتبرع لهذا المشروع، ولكن حين تكون الخريطة النهائية معتمدة والمشروع جاهز للتطبيق سيكون عرض الفكرة بسهولة أكبر، والجدير بالذكر بأن (بيت عبدالله) هو المشروع الأول من نوعه في الشرق الأوسط حيث لم يكن لدينا مركز مشابه من قبل يقدم هذه الخدمات الطبية للأطفال·و تكلفة المشروع تبلغ من 6 - 5 ملايين دينار كويتي· والجميل في هذا المشروع أن من قام بتصميم الخريطة هي المهندسة علياء الغنيم وهي فتاة جامعية ذكية ومجتهدة في السنة الرابعة في جامعة الكويت، وقامت مشكورة بدراسة المشروع من كافة جوانبة ورعاية جميع الملاحظات الطبية والمناخ الطبي المطلوب في التصميم، وصممت الخريطة بعد دراسة طويلة للخدمات الطبية وتاريخ الأمراض المستعصية منذ عهد الرسول (ص) حتى يومنا هذا، وأخرجت لنا تصميما راقيا متكاملا يشمل 10 شاليهات سكنية لمرحلة العلاج السكني للأم والطفل داخل المركز وقسم العناية اليومية للعب وتلقي العلاج ويشمل ألعاب ترفيهية وحديقة و··· إلخ·
· وعلى هذا الأساس هل تتوقعون استقبال حالات من خارج الكويت؟
- بلا شك ربما يكون لدينا حالات من الدول الأخرى، وقد يلي هذا المشروع مشاريع أخرى ومراكز كثيرة لخدمة الأطفال المرضى، علماً بأننا نهدف إلى رعاية مايقارب 500 طفل حتى مرحلة الوفاة ونوفر على العائلات عناء مراجعة المستشفى حين تدهور الحالة·
· كيف يتجاوز الفريق الطبي مشاعر الحزن حين وفاة أي طفل كانوا قد أمضوا فترة طويلة في تخفيف آلامه ويستكلمون مسيرة العمل بمرحلة علاج جديدة مع طفل آخر؟
- في الحقيقة لا أتصور ألماً يضاهي ألم الأم حين يقول لها الطبيب: إن طفلك مريض بالسرطان لا شفاء منه ولا يوجد لدينا علاج له ، في هذا الموقف الصعب نحن نقول ومن خلال بيت عبدالله: يوجد علاج لدينا وسنحاول تخفيف آلامه ومنحه حياة طبيعية·
ولكن بالنسبة للفريق الطبي وتجاوزنا لمشاعر الحزن لفقدان أي طفل، بلا شك ذلك أمر محزن جدا ولكنهم ينظرون إلى الحالة من زاوية أخرى، يجب أن نلاحظ ما يعانيه الطفل من الآم أمام أعين أمه وأبيه وأخوته، وهي آلام قطعاً كبيرة، وأغلبية الأطفال يتلقون العلاج في مركز مكي جمعة، وبرغم العلاج الذي يقدمه إلا أنه غير مجهز للعلاجات التلطيفية للطفل، ولكن إذا قدمنا هذه الخدمة للأطفال سنجعلهم يقضون الأيام الأخيرة من العمر براحة ودون آلام مبرحة ويمارسون حياة طبيعية مثل الذهاب إلى المدرسة كأي طفل أو اللعب أو ويقضون نحبهم وهم أطفال سعداء وهذا الحافز يشجع الفريق بمساعدة الطفل في آخر مرحلة من حياته أن يعيش كأي طفل طبيعي· وهذا ما يجعلنا نؤمن بأننا قدمنا ما نستطيع تقديمه من مساعدة للطفل للتخفيف من معاناته ونحن وجميع أعضاء الفريق مهيئين نفسياً ومتوقعين وفاة الطفل في أي لحظة·
* * *
أهداف المركز
· تقديم عناية مسكنة من الألم لأطفال مرضى لا شفاء لهم·
· توفير دعم طبي واستشارات صحية على مدار الساعة·
· توفير أجواء اجتماعية ترويحية للطفل عوضاً عن المنزل·
· مواساة الأهل لتواجد الطفل في المركز وبعده عن المنزل·
· ترشيد الطفل نفسياً في اللحظات الأخيرة حول مفهوم الموت·
· مواساة العائلات بعد وفاة الطفل·
* * *
المرحوم الطفل عبدالله... فكرة المشروع
طفل يافع اسمه عبدالله عاد إلى الكويت بعد فترة علاج وإقامة طويلة بمستشفيات لندن للعلاج من مرض عصبي وبعد محاولات علاجية للطفل عبدالله باءت بالفشل تضاءل الأمل في نهاية المطاف بوجود أي علاج محتمل للشفاء بينما كان يعاني عبدالله من آلام وأعراض المرض في اللحظات الأخيرة في وجه الموت الذي كان يقترب منه رويداً رويداً، وعدت الوالدة طفلها بأنه لن يبقى في المستشفى وأنها ستتكفل العناية به في المنزل، وما كان من الفريق الطبي إلا تقديم كل المساعدة لعائلة عبدالله حيث نجحوا في مساعدة والدة عبدالله لتخفيف آلامه وأعراض المرض ورعايته في البيت حتى وفاته يرحمه الله قبل عيد ميلاده الخامس بقليل·
* * *
بيت عبدالله والهندسة المعمارية…
تقول مهندسة المشروع علياء الغنيم: إنه في السنة الأخيرة من دراستي الجامعية، بحثت عن مشروع للتصميم نظير تخرجي في الهندسة المعمارية في الفصل الدراسي الأخير، ولم أكن أعلم بأن هذا التخصص سيقودني يوماً إلى تحقيق حلمي، بل حلم الكثيرين من الأمهات والأطفال، فقد تأثرت كثيراً عندما نصحني أحد الأصدقاء بزيارة د·هلال الساير وزوجته مارغريت بحديثهم الشيق والإنساني عن المشروع، منحوني الحافز ببذل كل جهدي لدراسة المشروع وتصميم ما يتناسب مع احتياجات الأطفال المرضى بصورة قريبة من قلوبهم، ولا أنسى مقابلة والدة الطفل (عبدالله)، هذه المرأة منحتني القوة والصبر وبلغة الأمومة الجميلة كانت الدافع لي لأعيد إلى كل طفل أحلام الطفولة الذي أفتقدها منذ زمن بعيد قبل وداع الحياة·