بالرغم من اختلافي مع رئيس سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية "ياسر عرفات" خصوصا بعد تنازلاته الفجة في مؤتمر "مدريد" وما تلاه من قمم واتفاقيات باع فيها أرض فلسطين التاريخية لليهود بأبخس الأثمان، وهو اليوم يعيش ذليلا في مقره لا يحق له الخروج منه· بالرغم من كل هذا إلا أنني أهنئه عندما استخدم في الأسبوع المنصرم وصفا دقيقا ومحددا للسور الواقي الذي تقيمه حكومة الإرهاب الصهيوني حول مدن الضفة الغربية عندما أطلق عليه اسم "سور برلين الثاني"·
ولا أعرف، السر الذي يدعو دعاة الواقعية والقبول غير المشروط لخطريطة الطريق الأمريكية لعدم مناقشة خطورة وطبيعة هذا السور الواقي الذي يشكل انتهاكا فجا للقوانين والأعراف الدولية ويوضح بصورة قطعية مبادىء التمييز العنصري لدى الصهاينة·
ويرافق بناء هذا السور تأييد علني من إدارة الرئيس الأمريكي تجسد في الزيارة التي قام بها شارون أخيرا للبيت الأبيض حيث لم يطلب أي من المسؤولين الذين قابلهم شارون أو أركان حكومته إزالة هذا الجدار أو حتى تعليق العمل به بل تم الاكتفاء بالإشادة بجهود شارون الواضحة للسلام وإدانة متوقعة للفلسطينيين حيث جاء على لسان الرئيس الأمريكي "جورج بوش" ما نصه: "الدولة الفلسطينية لن تنشأ إلا بعد تفكيك فصائل المقاومة والقضاء على بنيتها التحتية" و "أرحب بالخطوات التي قامت بها إسرائيل لتعزيز السلام مثل إطلاق الأسرى والسماح بدخول المزيد من العمال الفلسطينيين"، وشكر في ختام تصريحاته الإرهابي شارون بالقول إنه اتخذ القرارات الصعبة من أجل السلام وإن على القادة العرب تحمل مسؤولياتهم تجاه السلام مثلما تحملها شارون!!·
وعودة إلى مشروع السور الواقي فإننا عندما نطالع تحذيرات الخبراء والمتخصصين من خطوة هذا المشروع فإننا نصاب بالذهول حول كيفية استمرار حكومة "أبو مازن" بالدعوة للسلام الاستراتيجي مع اليهود·
سيلتهم جدار الفصل نحو %45 من مساحة الضفة الغربية بسبب امتداده لمسافة كبيرة في الشرق من الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عامي 48 و 67 كما يقوم الجدار بعزل قرى فلسطينية كاملة تضم قرابة 700 ألف شخص، ويتكون الجدار من أسلاك إلكترونية تصدر تحذيرا إذا ما حاول شخص عبوره ويوجد خندق شرق الجدار لمنع السيارات من اقتحامه ويوجد في بعض مناطق الجدار حوائط واقية من الرصاص، وتقدر الأوساط الصهيونية تكلفة بناء هذا السور بنحو 2 مليون دولار لكل كيلو متر علما أن طوله يبلغ 145 كيلو مترا تقريبا·
كما يعزل الجدار 13 قرية فلسطينية تقع إلى الغرب منه عن بقية أجزاء الضفة الغربية بينما يحول الجدار بين سكان 36 قرية أخرى ومزارعهم حيث سيكون السبيل الوحيد للوصول إليها عبر البوابات الخاصة وهذا الأمر بحد ذاته يشكل مشقة وعبئا كبيرا على المزارعين حيث تغلق الأبواب في أغلب الأحيان مما يعيق الإنتاج الزراعي الفلسطيني وبالتالي انعدام لمئات العوائل التي تعتمد على الزراعة·
هذا هو الوضع المأساوي الجديد الذي سيرسخه على أرض الواقع جدار الفصل العنصري الذي يسعى الصهاينة جاهدين للانتهاء من تدشينه بينما السلطة الفلسطينية تسعى جاهدة لوأد حركات المقاومة المسلحة بدعوى الحصول على رضا واشنطن وتل أبيب لنيل فتات الأرض لتقام عليها الدولة الميتة أصلا قبل أن تولد·
abdullah.m@taleea.com |