لمن لا يؤمنون بالتعددية في الحياة، لمن لا يؤمنون بأن حركة المجتمع نحو الأمام تحركها التعددية والاختلافات المحكومة بنظام يسمح لها بالحركة دون فرض أحدهم تصوره على الآخر بالإكراه، نقول لهم:
يقول الله عز وجل في محكم كتابه: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"· فتدبروا بالمقصود من دفع الناس بعضهم ببعض لعلكم تعقلون إن كنتم تستخدمون عقولكم لا عاطفتكم المتعصبة لما لديكم دون تفكير أو تحليل·
الكون به الليل والنهار، (فلا الليل يتفرد بالسماء ولا النهار)، بل كل منهم يأخذ دوره ويعطي مجالا للآخر، فهناك تنظيم بينهم يجعل كلا منهم لا يتفرد بالسماء، ولذلك تستمر حركة الحياة والفصول·
الذرة فيها السالب والموجب، فهم داخل الذرة مفترقان ومختلفان ولكن الذرة جمعتهما، فلا السالب يتفرد ولا الموجب يتفرد رغم اختلافهما، والحركة تنشأ عن حركة هذه الأضداد كما هي حركة الليل والنهار، والأمثلة في الكون والطبيعة والمخلوقات والحياة كثيرة جدا·
لاحظ أن قدمي الإنسان إن كانا قرب بعضهما لا يتحرك الإنسان، ولكن ما إن تتقدم إحداهما عن الأخرى فتبدأ حركة اختلافهما المنظمة فنرى الإنسان يتحرك·
ويجب أن يعرف كل من يريد فرض رأي واحد على الناس ولا يسمح بتعدد الآراء والأفكار والمذاهب والملل والنحل وغيرها، أن الاختلاف موجود في عقله فهل سوف يقضي على عقله لأن فيه تعددا واختلافا، فأنت عندما تفكر بالخير سوف يأتي بذهنك الشر أيضا ولكنك كإنسان لديك حرية الاختيار والسيطرة على هذه الأفكار لتطبيق ما تريده في سلوكك وحياتك العملية والفكرية، فماذا سوف يعمل مع اختلاف الأفكار والمشاعر التي في نفسه·
فالمجتمعات التي تتفكر في خلق السموات والأرض وتستنتج كيف تتحرك الأشياء فهمت أنه لابد من إيجاد نظام سياسي واجتماعي ينظم الاختلافات لدى البشر كي يتحرك المجتمع للأمام، وأما لو أردنا القضاء على الاختلاف بفرض رأي واحد بالقوة والإكراه فسوف تكون النتائج كما حدث مع تجربة الاتحاد السوفييتي وما حدث مع الحزب النازي وغيرها من تجارب التاريخ التي تبنت سياسة الإكراه والرأي والواحد·
وأما من استطاع تنظيم هذه الاختلافات ضمن إطار قانوني يتيح للكل الحركة ويعطي المجال للآخر دون القضاء عليه ودون أن ينصهر فيه، فيبقى كل منهم على رأيه ولكنه يتعايش مع الآخر كما يتعايش السالب والموجب في الذرة، والليل والنهار في الكون وغيرها من أمثلة·
فنرى الاتحاد الأوروبي في داخله لغات وقوميات وثقافات وديانات وتوجهات مختلفة ولكنها متعايشة داخل إطار الاتحاد الأوروبي كل منهم يأخذ دوره، فيتحرك الاتحاد الأوروبي مع تحرك هذه الأضداد·
كما أنه لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع في الأسواق، كذلك لولا اختلاف الثقافات والأفكار فما الذي سوف يحرك البشرية، عندما تحرك الفكر الشيوعي ترى أن تحركه جعل الفكر الرأسمالي يتحرك أيضا كي لا تسيطر رقعة الشيوعية على العالم، والفرق أن الرأسمالية حاولت التغلب على أخطائها بالسماح لتعدد الآراء بالحركة وأما الشيوعية التي وصلت حركتها لسيطرة الحزب والفرد والرأي الواحد ومنعت تعدد الآراء تضاربت مع الحركة الطبيعية التي تسمح بحركة الأضداد ليتحرك كل شيء·
لذلك مجتمع مثل الهند نراه يمثل أكبر ديمقراطية لأنه فهم حركة الطبيعة والأشياء وحاكاها من خلال نظام يسمح بوجود الأضداد فيه ولكنه ينظم حركتهم كي لا يفرض أحد منهم نفسه بالإكراه على الآخر، فحرية الحركة تجعل الإنسان يختار بين هذه الاختلافات ما يراه أفضل وأقرب للفطرة الإنسانية، فمن الممكن أن يتقدم طرف على الآخر بالإقناع والوسائل السلمية وليس بالإكراه الذي يسيطر على الأجساد وتبقى العقول والأنفس متفرقة·
نتمنى على الكثير من الجماعات لدينا في الكويت أن تستوعب حركة الطبيعة وتستفيد من تجارب الآخرين، ويكفيهم التدبر بحركة الليل والنهار والصيف والشتاء وحركة السالب والموجب في الذرة وغيرها من موجودات في الكون فسوف يعلمون أن حركة التطور في المجتمع تحتاج للرأي والرأي الآخر، وللتعددية، وأما لو أراد البعض من خلال الإعلام أن يتبنى ذلك ولكن ممارساته تتبنى ثقافة الإكراه وتفرض الرأي والثقافة الواحدة ويبرر تصرفاته بتبريرات لا تنطلي على سنن وقوانين الكون والحياة، فإنه سوف يتصادم مع حركة الفطرة الإنسانية التي لا يمكنك خداعها، فالمجتمع الذي يريد أن يتقدم في جميع النواحي يجب أن يسمح للآخرين بالحركة وإبداء ما لديهم كي يكون المواطن مخيرا بين قبول ما هو أفضل له وما يتناسب مع فطرة الإنسان·
machaki@taleea.com |