في المجتمعات الديمقراطية تلعب مؤسسات المجتمع المدني كجمعيات النفع العام وغيرها دورا بارزا في عملية الإصلاح والتطوير وبث الوعي بين المواطنين، وعلى ضوء ذلك استوردت المجتمعات العربية مشاريع جمعيات النفع العام وقامت بتطبيقها في مجتمعاتهم ولكنها لم تعط ثمارها مثلما أعطت المجتمعات الغربية، والسبب أن القائمين على هذه المؤسسات لدينا لا يريدون أن يعوا أن هذه الأمور هي عبارة عن آليات تعتمد على عقليات من يديرها، فجمعيات النفع العام لدينا في الكويت ينطبق عليها قول الله عز وجل: (وبئر معطلة وقصر مشيد) فهي مباني مشيدة وبطاقات عضوية تعطى للمنتسبين لها ومجالس إدارات لا تتزحزح أو تتغير منذ أن أسست هذه الجمعيات إلا ما ندر ولكن دون أي أثر لها في المجتمع، فلا نجد لها برامج توعوية لها تأثير ملموس على الشارع، ولذلك هي معطلة بسبب العقليات المسيطرة عليها، فكثيرون يسألون عن قلة الوعي لدى المواطن في فترة الانتخابات لأي مؤسسة سواء كان البرلمان أو المجلس البلدي أو الجمعيات التعاونية وغيرها نجده لا يختار طبقا لمعيار الكفاءة بل على معايير أخرى لا تتماشى وعملية الإصلاح والتطور، والسبب هو مؤسسات المجتمع المدني المعطلة التي لا تقوم بدورها من خلال تكثيف المحاضرات والبرامج والدورات والنشرات وكل الوسائل المسموح بها لزيادة وعي المواطن وتنمية عقليته بما يتماشى ومشروع الإصلاح والتطور في البلد وكي يستفيد من آلية الانتخابات كي يوصل في كل مؤسسة الكفاءات الوطنية التي تحول المؤسسة المعطلة إلى مؤسسة فاعلة لها تأثير ملموس على أرض الواقع، فعندما نقرأ عن المحامية الأمريكية لوري ولاش التي استطاعت أن تنظم احتجاجات واسعة على انعقاد منظمة التجارة العالمية في سياتل عام 1997 ضد إحدى المعاهدات بين الدول الصناعية الكبرى والتي ترى ولاش ومن معها أنها سوف تضر المواطن العادي في العالم، والعجيب أن ولاش خريجة جامعة هارفارد تذكر أنها ومن معها كانوا يقومون بجهود جبارة لتوعية الناس للتصدي لبعض المعاهدات التي تضر المواطن العادي ولا يستفيد منها إلا أصحاب الكروش المنتفخة، فقد استخدمت هي وزملاؤها كل الوسائل المشروعة لتوعية وكسب تأييد الجماهير، والأمثلة كثيرة في العالم الديمقراطي عن الناشطين كأفراد أو جمعيات ومؤسسات، ولكن السؤال لنا نحن وللمثقفين الكويتيين، ماذا فعلتم لتوعية المواطن الكويتي وتنميته فكريا وثقافيا بما يتماشى مع عملية الإصلاح والتغيير نحو الأفضل؟
في إحدى الندوات قال أحد أساتذة الجامعة متذمرا من بطء عملية الإصلاح في البلد (أن الوضع ميؤوس منه وأن البرلمان والمواطن لا يعتمد عليهما في الإصلاح) فسؤالنا للأستاذ، كم مرة في السنة قمت بزيارة للديوانيات المنتشرة في الدولة وحاولت التعاون مع أصحابها لعقد محاضرات توعوية وطرح التساؤلات التي تثير شعور المواطن بالمسؤولية تجاه عملية الإصلاح والتنمية في البلد، الجواب ولا مرة، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من النخب الثقافية في البلد، فهم يريدون الوعي يأتي للمواطن بالمنام!، نحن الآن بصدد تعديل نظام الدوائر الانتخابية للأفضل في جلسة 15 مايو في البرلمان، ويجب أن يواكب هذا التغيير حملة مكثفة لتوعية المواطن ومحاولة تغيير طريقة تفكيره كي يأتي وقت الانتخابات البرلمانية وغيرها ويختار مرشحين وطنيين ذوي كفاءة عالية للمؤسسة المرشحين لها، فعقلية المواطن ومدى وعيه هما من ينتج شكل البرلمان إن كان برلمانا إصلاحيا أم لا، وعلى ضوء ذلك نأمل من الطبقة المثقفة أن تشمر عن ساعديها وتنشط في عملية تنوير وتثقيف وتحفيز للمواطن في خطوات الإصلاح والتنمية بكل الوسائل المشروعة دستوريا، وسوف نرى آثار ذلك على أرض الواقع·
تنويه: في المقالة السابقة التي نشرت في العدد 1724 تحت عنوان (الجعفري والمهاتما غاندي) حدث خطأ مطبعي حيث ذكر: (حتى وصل الأمر أن الأغلبية الهندوسية تجعل هنديا من الأقلية المسلمة رئيسا للهند وتجعل رئيس وزراء من الأغلبية من خلال النار والحديد والقمع) والصحيح هو (حتى وصل الأمر أن الأغلبية الهندوسية تجعل هنديا من الأقلية المسلمة رئيسا للهند وتجعل رئيس الوزراء من الأقلية السيخية وليس كما نراه ببعض الدول العربية التي تسيطر الأقلية على حكم الأغلبية من خلال النار والحديد والقمع)·
machaki@taleea.com |