رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 صفر 1426هـ - 23 مارس 2005
العدد 1670

رسائل بين مثقفين
اللبنانيون: ارحلوا.. واتركوا لنا الأهل منكم والشعراء والأحرار
السوريون: حياتكم المليئة كتفاحة وحياتنا الفارغة كثمرة جوز فارغة!

                                                   

 

تشكل صحيفة "النهار" البيروتية ساحة أخرى معارضة، موازية وعاضدة للأحزاب والقوى السياسية اللبنانية ووسائل التلفزة المطالبة بالانسحاب السوري الكامل بجيشه وأجهزة مخابراته من الأراضي اللبنانية والمنادية بكشف ملابسات اغتيال رفيق الحريري وكشف منفذي ومسهلي العملية الإرهابية وذلك عبر تحقيق دولي يضمن الوصول الى "الحقيقة"·

ومنذ 14 فبراير تحول ملحق "النهار" الثقافي الى منبر حر ركز اهتمامه على كشف ممارسات الأجهزة الأمنية في دمشق كمحرك أساسي لأجهزة الاستخبارات اللبنانية التي تأتمر وفي أكثر من حادثة بتعليمات صادرة عن بعد، كما جرى في حوادث كبيرة فادحة أو أخرى "بوليسية" كمضايقات الصحفيين والكتاب مثلما حدث قبل أكثر من عام مع  أحد صحافيي "النهار" (سمير قصير)·

من جانب آخر، تشن صحيفة "المستقبل" وملحقها الثقافي هجمة أخرى حامية ضد ممارسات الأجهزة السورية واللبنانية الملحقة بها، كاشــفة أكثر من خيط غامض، وملقية الضوء على أكثر من زاوية بعد تداعيات الحدث الإرهابي·

وكان آخر تلك المواجهات ما كتبه بول شاوول (بتاريخ 19 مارس) تحت عنوان "جميل السيد ومونودراما النهايات" الذي تعرض فيه - وللمرة الأولى وبشكل غير مسبوق - للمسؤول الأول لمديرية الأمن العام اللواء جميل السيد، الذي صوره كشخصية مستلة من إحدى مسرحيات شكسبير تعبر عن سقوط مروع لطـاغية يحاول مواصلة التمثيل وحيدا بعد انسحاب وأفول النظام الأمني·

 

سوريون في وضح "النهار"

 

وفي حمأة الحدث اللبناني وتداعياته اليومية دوليا وعربيا ومحليا يُفهم سطوة الكتابة السياسية وكثافتها في ملحق "النهار" (الذي كان أساسا قبل اغتيال الحريري رأس حربة أوجعت كثيرا النظام السوري وأجهزته في لبنان)، لكن اللافت مشاركة بعض الكتاب والشعراء السوريين في إدانة نظامهم السياسي والمطالبة بكشف الحقائق، سواء ممن يحسبون على صفوف المعارضة السورية أو من الكتاب الشباب غير المنتمين·

فبالإضافة الى ياسين الحاج صالح ومحمد علي الأتاسي وماهر شرف الدين ومنذر مصري وصبحي حديدي يكتب الشاعر لقمان ديركي والروائي نهاد سيريس ومحمد دريوس كتابات "رسائل" تحاول تبرئة ساحة الثقافة السورية الحقة غير الرسمية·

ففي رسالة لمنذر مصري ودريوس نشرها ملحق "النهار" يرفع الكاتبان سقف المطالبات ويكسران معا خطوطا حمراء كثيرة هي من المحرمات في دمشق مثل قولهما لأصدقائهما من المثقفين اللبنانيين "يا لحياتكم المليئة· محمد يقول: كتفاحة· لأنه لا شيء يوحي بالامتلاء أكثر من التفاحة· ومنذر يصر على أن نقول: كبرتقالة لأنه ما إن تفلق برتقالة من أعلاها مستخدما إبهاميك معا، كما قليلا يحدث، حتى يتطاير رذاذها الكحولي ويصيبك في عينيك· ويا لحياتنا· كثمرة جوز فارغة أو قاسية وبلا لبّ، كالحصى"·

وفي رسالتهما هذه التي وجهاها ردا على رسالة مشتركة من (مثقفين لبنانيين الى أصدقائهم في سورية) (كتبها يوسف بزي ويحيى جابر) يعلنان (منذر ودريوس) إيمانهما ببيروت وثقافتها والحريات المتوافرة فيها والمحببة في نفسيهما، ويقارنان بين المشهدين اللبناني الحر والسوري المقيّد "تشهدون تحررا واستقلالا ونحن لا نشهد مرة تظاهرة أو اعتصاما·· تسقطون حكومة ونحن لم نجرؤ يوما على إسقاط لافتة أو نزع صورة"·

ويبدي الكاتبان رغبتهما في الانضمام الى التظاهرات اللبنانية، وفي جرأة نادرة في تفسير معنى المواطنة يكتب منذر ودريوس في رسالتهما "نعتذر منكم ومن فيروزكم حين تغني "حبة من ترابك بكنوز الدني" لأننا لا نعلم إن كانت فيروز تعني هذا حقا!··· الإرهاب أفقدنا القدرة على تمثل هذه المعاني، حبة من تراب سورية لا تساوي إلا حبة من تراب سورية"·

وللشاعر لقمان ديركي كتابات أخرى جريئة مازال يواصل نشرها على صفحات "النهار" و"المستقبل" وبعض المواقع الإلكترونية، ويعد من القلة من الذين  حرضهم الحدث اللبناني أكثر فأكثر لكسر طوق المحظورات القاسية في دمشق رغم ما قد يتعرض له لاحقا من مساءلات ومضايقات أمنية·

 

سيريس يؤيد الانسحاب ويرفض الوصاية

 

وفي هذا السياق الثقافي نفسه الذي اعتمد "الرسائل" كوسيلة لمخاطبة الأصدقاء في الجانب الآخر، وأداة للتعبير عن طموحات مكبوتة في الحريات وممارسة الحق الإنساني المستلب والمقموع من النظام في دمشق كتب صاحب "الصخب والصمت" الروائي السوري نهاد سيريس "رسالة من مثقف سوري الى معارض لبناني: معجبون بثورتكم المخملية" يعترف مثل كتابات أخرى بفضل لبنان الثقافي حركة وكتابا وشعراء ودور نشر وإعلاما وصحفا، ويتساءل "هل تريدون أن يخرج الجيش السوري من لبنان؟ فليخرج·· ماذا يفعل هناك بعد أن أصبح المسلم والمسيحي والدرزي يقفون أمام ضريح الشهيد يتلون صلواتهم المختلفة على روحه الواحدة؟ أنا لا أعتقد بأن الأجهزة السورية هي التي اغتالت رفيق الحريري، ولكن كم من الأفعال قامت بها لكي توجه إليها الاتهامات بهذا الشكل ويصدقها الناس؟ لقد فرضت الأجهزة الوصاية عليكم· من حقكم أن تثوروا على هذه الأجهزة· نحن (جميع المثقفين السوريين) بكل إنتاجاتنا الثقافية والفكرية والفنية نعتبر عند الأجهزة قاصرين ويجب أن تفرض علينا الوصاية"·

تعد مثل هذه الكتابات على قلتها مؤشرا على تزايد مشاعر الغضب في صدور المثقفين السوريين، وعلى تحينها فرصا للتعبير عن آرائها في نظامها السياسي وسياساته بخلاف ما تشيعه الصحف السورية المتماثلة في عناوينها، والمتوحدة في خطابها لغة ومعاني وتهديدا، وبخلاف ما يرغب به مسؤولو الثقافة الحزبيون في دمشق وخشيتهم من تعالي هذه الأصوات مما يهدد مكتسباتهم ومناصبهم ومنافعهم القائمة منذ ثلاثة عقود·

 

ملحق "النهار" يهرّب النبيذ

 

أثبتت التظاهرات الشبابية في ساحة الشهداء بمساندة وسائل الإعلام الحرة والقوى المتطلعة للحرية أن بإمكانها أن تسقط حكومة، وسيثبت ملحق "النهار" أن الثقافة أيضا بكتابات عقل العويط وبلال خبيز والأتاسي وصالح وشرف الدين وديركي و"مستقبل" شاوول وجابر وبزي وغيرها من الكتابات الحرة الأخرى·· أن بإمكانها أن تقود الحرية الى الساحة اللبنانية، وأن تسقط أيضا نظاما استبداديا عن بُعد·

فهل صحيح ما قاله عقل العويط في:

خذوا ما استطعتم وما سوف تستطيعون وما سوف لن·

لكن ارحلوا عنا·

فلم نعد نريدكم هنا·

اتركوا لنا نبيذنا ليدوّخ الشعوب والجغرافيا

واتركوا فقط لنا الأهل منكم والشعراء واتركوا الأحرار فيكم واتركوا الأنبياء·

واتركوا هنا فقط شعبنا وأرضنا لنا·

فمن يضمن "لهم" أن الحرية "المستبدة" ليست مثل الأنظمة المستبدة لن تجتاز الجغرافيا·· ويسقي نبيذها أرواح الشعوب هناك؟!

ن.م

طباعة  

وتد
 
إصدارات
 
قصائد
 
المرصد الثقافي