رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 8 صفر1427هـ - 8 مارس 2006
العدد 1718

بمناسبة مرور 25 عاما على تأسيس منظمة هيومان رايتس ووتش 1978-2003 (1-2)
تأملات في جهود حركة حقوق الإنسان: السؤال الصعب هل نقبل التدخل العسكري من أجل وقف الانتهاكات؟

·         أبرز تطورات حركة حقوق الإنسان وجود باحثين لها على الأرض مجندين بالبريد الإلكتروني

·         تقلص مفهوم سيادة الدول أمام ضغوط حقوق الإنسان ·· ومؤتمر فيينا توج هذا المبدأ

 

بقلم: ريد برودي ü

قطعت حركة حقوق الإنسان شوطا طويلا منذ تأسيس منظمة “هيومن رايتس ووتش” قبل خمسة وعشرين عاما، ففي كل حدب وصوب تقريبا في شتى أنحاء العالم يرفع الدعاة والمناضلون راية حقوق الإنسان دعما لما يطالبون به من الاحترام والكرامة، وبفضل هذه الحركة أصبحت حقوق الإنسان مع انتهاء القرن الماضي أيديولوجية من الأيديولوجيات السائدة في العالم التي لا تنفك الحكومات تعلن عن التزامها بها، وعلى الرغم من أن الحركة لم تتمكن من إيقاف مذابح الإبادة الجماعية في العراق ورواندا ويوغوسلافيا السابقة وعمليات القتل الجماعية في غيرها، فقد بدأت تبسط سلطان العنصر الأخلاقي على العلاقات الدولية بقوة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، وأصبحت الحركة عاملا من عوامل التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وبعض أجزاء القارتين الأفريقية والآسيوية·

إلا أن حركة حقوق الإنسان تواجه الآن تحديات جسيمة، وهي على وجه التحديد الهجمات المريعة التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي استهدفت ضرب السلطة الأمريكية في الصميم، مما أطلق العنان لردود فعل تهدد بمحو الكثير من المكتسبات تحت ستار “الحرب على الإرهاب” التي تبدو لا نهاية لها، ومع اطراد هذه الحملة بدأت الحكومات المؤيدة للحركة تعيد حقوق الإنسان الى المرتبة الثانية، مثلما كانت تفعل قبل الحرب الباردة وخلالها، بينما بدأت حكومات أخرى تنتهز الفرصة لاستخدام الحرب على الإرهاب ذريعة لتبرير القمع الداخلي، وفي مواجهة هذه التحديات يجب على الحركة أن تبين أن تعزيز الحقوق الأساسية ضروري للأمن وأداة لا غنى عنها لمكافحة الإرهاب·

üüü

تقول روبرتا كوهين المديرة التنفيذية للرابطة الدولية لحقوق الإنسان “إن دعاة حقوق الإنسان، الذين عانوا من التجاهل أو الازدراء على مر سنين باعتبارهم جماعة غريبة الأطوار، يركبون الآن موجة الشعبية بفضل تركيز الرئيس كارتر على قضية الحقوق إنهم يقولون إن التجربة رائعة ومثيرة للانزعاج في آن واحد ولقد أصبحت حقوق الإنسان فجأة من مستلزمات الأناقة، فبعد سنوات كنا فيها الخطباء الواعظين أو المثاليين السخفاء أو المتطفلين الذين يتدخلون فيما لا يعنيهم، أصبحنا الآن نحظى بالاحترام والتقدير”·

كان هذا هو استهلال مقالة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” عام 1977 عن حركة حقوق الإنسان وفي وقت لاحق من ذلك العام، فازت منظمة العفو الدولية بجائزة نوبل اعترافا بإنجازاتها التي كانت تحظى بالتقدير من قبل وفي العام التالي تأسست منظمة هيومن رايتس ووتش، واليوم أصبحت حقوق الإنسان وحركة حقوق الإنسان ملمحا أساسيا من الخارطة السياسية الدولية·

وفي السنوات الخمس والعشرين الماضية، بعثت مجموعة ضخمة وجديدة من المنظمات الوطنية والدولية الحياة من جديد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من الصكوك التي اعتمدت بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح لواء حقوق الإنسان مرفوعا في شتى أنحاء العالم، يرفعه الرهبان في التبت وعمال المزارع في الأكوادور والمنظمات النسائية الأفريقية ودعاة الممثلية الجنسية ذكورا وإناثا في الولايات المتحدة وأصبح هناك مفوض سامي تابع للأمم المتحدة مختص بحقوق الإنسان، وهو الراعي الرسمي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما قوانين تجعل احترام حقوق الإنسان عاملا مهما من عوامل العلاقات الثنائية، وفي معظم البلدان نجد اليوم هيئات محلية لحقوق الإنسان أو قاضيا للمظالم مختصا بشكاوى حقوق الإنسان، كما صادقت معظم البلدان على المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان وأنشئت محكمة جنائية دولة لتتولى التحقيق في بعض الفظائع التي تعد من أسوأ ما شهدته البشرية، بينما تمكنت الحركة من الإيقاع ببعض رموز البطش مثل أوغسطو بينوشيه وسلوبودان ميلوسيفيتش·

كما أصبحت حركة حقوق الإنسان نفسها تتميز بقدر أكبر من الشمولية، فغدت كالفسيفساء الغنية التي تتضمن عددا كبيرا من المنظمات الدولية المحترفة غير الحكومية الى جانب آلاف المنظمات الإقليمية والوطنية والمحلية التي تتناول قضايا تتراوح بين تقرير المصير وحقوق الأطفال، وبين الحصول على أدوية فيروس نقص المناعة البشرية والحق في الحصول على المياه·

ومع اتساع نطاق الحركة دخلت القضايا التي كانت مهملة فيما مضى الى التيار الرئيسي للاهتمام، وخصوصا القضايا المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتزايدت نقاط التلاقي بين جهود المنظمات المكرسة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية من ناحية، والمنظمات المهتمة بحماية حقوق الإنسان من ناحية أخرى، وبدأ الكثير من منظمات التنمية يتحول من المناهج الإنسانية والمناهج القائمة على الاحتياجات والموجهة لتحقيق الكفاية، الى المناهج القائمة على الحقوق في التعامل مع قضية التنمية، وبعد أن كانت منظمات حقوق الإنسان تركز الى حد كبير على القضايا المدنية والسياسية مثل الاعتقالات السياسية والتعذيب، بدأنا نتجه تدريجيا الى تناول الأسباب الاجتماعية والاقتصادية الكامنة وراء هذه الانتهاكات أو الى مناصرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل التعليم والصحة والسكن·

وأصبحت حقوق المرأة التي كانت على الهامش فيما سبق قوة دافعة لحركة حقوق الإنسان منذ أن فاجأت المنظمات النسائية مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عام 1993، وفازت بالاعتراف الكامل بأن “حقوق المرأة من حقوق الإنسان”، وأدى التركيز على حقوق المرأة الى نتائج عدة منها الإسهام في توسيع المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان مثل “الانتهاك” و”المنتهك”، فتحولت الحركة من الاقتصار على التركيز على الإجراءات المتخذة من جانب الدولة الى دراسة مدى مسؤولية الدولة عن التقاعس عن اتخاذ إجراءات للتصدي لانتهاكات من المعروف أنها حدثت على أيدي أطراف خاصة·

وجدير بالذكر أن المستويات المختلفة في الحركة يكمل بعضها بعضا، ففيها ما يمكن أن نسميه بالمنظمات أو الحركات الأولية للأشخاص المناضلين من أجل حقوقهم، مثل بعض منظمات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، والكثير من المنظمات النسائية، وحركة العمال غير الملاك في البرازيل، وما شابهها، وهناك منظمات تسعى الى تعزيز الحقوق عن طريق وضع اللبنات الأساسية للمجتمع الذي يحترم الحقوق، وهي الصحافة الحرة والقضاء المستقل والتوعية بحقوق الإنسان والتسامح والسيطرة المدنية على الجيش، وهناك منظمات وطنية ودولية ترصد معايير احترام حقوق الإنسان وتبذل الضغط لمنع وقوع الانتهاكات أو لإيقافها، مثل اللجنة الكولومبية للقضاة ومنظمة هيومن رايتس ووتش·

كما وصلت الحركة الى مستوى راق من التطور في طريقة الدعوة الى الحقوق، حيث تطورت من أسلوب الحملات المبكرة لإرسال الخطابات الذي ابتدعته منظمة العفو الدولية حتى أصبحت تضم فرق الحملات والمنظمين وأنصار بذل الضغط والخبراء الإعلاميين، وللمنظمات الدولية غير الحكومية الكبرى الآن باحثون على أرض الواقع يتصلون عن طريق البريد الإلكتروني بمكاتب الدعوة الى الحقوق في الأمم المتحدة والعواصم الكبرى، الأمر الذي يجعلنا في موقف قوي يمكننا من التأثير على القرارات الدولية وهي مازالت في طور التكوين، وتهدف بعض المنظمات المعنية بالرصد، مثل هيومن رايتس ووتش، الى دعوة الحكومات القوية لتعزيز الحقوق، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتتعامل معها أحيانا على أنها شركاء لها في بذل الضغط لإحداث التغيير، وأحيانا على أنها بديل للحلفاء المنتهكين الذين يرفضون النقد الديمقراطي أكثر من غيرهم (وأحيانا بالطبع على أنها مرتكبة الانتهاكات)، ولا يفوتنا هنا أن نشير الى التحذير الشهير الذي وجهه إيان مارتن من أن “حركة حقوق الإنسان لا يمكن أن تقبل بالعمل من خلال علاقات السلطة القائمة حاليا في عالم اختلت فيه موازين المساواة، بل لا يمكنها أن تكون محايدة في موقفها منها”، ولكن عندما نطبق منهج “التسمية والفضح”، الذي لا يطول الحكومات المنتهكة فحسب بل يطول حلفاءها الدوليين أيضا، وعندما يتم ذلك بدعم من شركاتنا في البلدان المضارة، فإن الحركة تكتسب قدرا كبيرا من القوة التي لا يستهان بها·

بعد الحرب الباردة

بعد سنوات من تأسيس منظمة هيومن رايتس ووتش جاءت الحرب الباردة لتمثل حافزا للحكومات على استغلال حقوق الإنسان كسلاح، وعقبة أمام من يسعون الى التعاون الدولي القائم على مبادئ من أجل تعزيز حقوق الإنسان، وحرصت الولايات المتحدة على رفع راية حقوق الإنسان في حربها الأيديولجية مع الاتحاد السوفييتي وحلفائه، بينما كانت تتستر على الانتهاكات التي ترتكبها النظم المستبدة التي تقدم الولايات المتحدة لها المعونة (وإن لم تكن ترعاها رعاية مباشرة)، وذلك كما هو واضح لكونها متاريس تقف في طريق المد الشيوعي، أما الكتلة الشرقية من ناحيتها فقد رفضت توجيه النقد الى سجلها في مجال حقوق الإنسان واعتبرت ذلك “تدخلا (غير مقبول) في الشؤون الداخلية للبلدان ذات السيادة”، وشنت آلية الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان·

ولكن حتى في أثناء الحرب الباردة فقد ساعدت تعبئة حقوق الإنسان على التوصل الى الكثير من الإنجازات المهمة، ولعبت دورا لا يستهان به في إنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والتحول نحو الحكم الديمقراطي في الكثير من مناطق أمريكا اللاتينية وأدت عملية هلسنكي - التي تمخضت عن إنشاء منظمة “هلسنكي ووتش” السابقة على منظمة “هيومن رايتس ووتش” - الى وضع إطار داخل الكتلة السوفييتية وخارجها يتصدى الأفراد من خلاله للحكومات القمعية، الأمر الذي أدى في آخر الأمر الى انهيار النظام السوفييتي الذي كان ينكر حقوق الإنسان الأساسية في الواقع الفعلي·

ويبدو أن انتهاء الحرب الباردة أفرز اتفاقا جديدا في الآراء حول مبدأ حقوق الإنسان فالمنشقون عن الكتلة السوفييتية الذين أنشؤوا حركة حقوق الإنسان هناك، والذين كانت حركة حقوق الإنسان الدولية تناصرهم، لم يصبحوا أحرارا فحسب، ولكنهم صعدوا الى السلطة في بعض الحالات وظهر في إفريقيا اتجاه نحو الديمقراطية التعددية، بينما استكملت أمريكا اللاتينية التحول من حقبة الدكتاتوريات العسكرية التي تساندها الولايات المتحدة وفي بعض البلدان الآسيوية مثل الفلبين وكوريا الجنوبية ساعدت حركات حقوق الإنسان أيضا على إدخال التحول الديمقراطي، وساعدت الأغلبية الديمقراطية الجديدة - التي تضم الآن الكثير من بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية - إلى إطلاق يد لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الأمر الذي أدى في أوائل التسعينيات إلى إطلاق العنان للأمم المتحدة للاهتمام بحقوق الإنسان اهتماما جادا، وفي بعض الحالات الى تبني دور يشبه دور دعاة حقوق الإنسان وفقا لتصور إليانور روزفلت·

والأهم من ذلك أن مبدأ سيادة الدولة بدأ يتراجع تراجعا مطردا أمام الضغوط في مجال حقوق الإنسان، ففي عام 1993 وضع مؤتمر الأمم المتحدة الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا حدا حاسما لحجة الدفاع عن السيادة عندما أعلن أن “تعزيز وحماية حقوق الإنسان يعتبر من مجالات الاهتمام المشروعة لدى المجتمع الدولي” فالطريقة التي تعامل بها الدولة شعبها مسألة تهم الجميع وفي مواجهة التحديات التي يطرحها أنصار النسبية الثقافية و”القيم الآسيوية” أكد مؤتمر فيينا أيضا على إعلانه أن “الطبيعة العالمية لهذه الحقوق والحريات مسألة لا جدال فيها”·

وأصبحت حقوق الإنسان، على حد تعبير مايكل إجناتييف، “اللغة الأخلاقية السائدة في الشؤون الخارجية”، حتى ولو كانت الأهداف الاقتصادية والأمنية غير المتسقة كثيرا ما تطغى عليها على مستوى التنفيذ، ومع صعود لغة حقوق الإنسان، وبث التلفزيون والإنترنت التقارير الفورية عن الانتهاكات، بدأت حرية الحكومات في العمل على خدمة المصالح المعروفة للنخب الحاكمة تصبح مقيدة أمام المجتمع المدني النشط والمطلع على مجريات الأمور، أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث، وقد لاحظ ريتشارد فولك في قول سديد له إن “التحرك في عقد التسعينيات نحو الاتفاق العالمي في الآراء حول حقوق الإنسان يمثل بداية لثورة معيارية في العلاقات الدولية التي بدأت أهميتها تفوق مكانة الحسابات الواقعية للسلطة والمكانة في المخيلة السياسية للمراقبين وواضعي السياسات”·

ولكن حتى في عقد التسعينات، الذي يفترض أنه العقد الذهبي لحركة حقوق الإنسان، لم تتمكن الحركة من إيقاف مذابح الإبادة الجماعية في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، ولا الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية في تيمور الشرقية والشيشان، ولا قتل الملايين من المدنيين في الصراعات المسلحة في أواسط إفريقيا· (بل إننا بينما كنا نجتمع في فيينا احتفالا بانتصار حقوق الإنسان، كانت المذبحة في البوسنة مستمرة بلا هوادة على بعد ما لا يزيد عن بضع مئات من الأميال)، ومازال نصف سكان كوكبنا البالغ عددهم ستة مليارات يعيشون في فقر، ومنهم %24 يعيشون في “فقر مدقع” وهناك ملياران ممن تدافع عنهم حركة حقوق الإنسان ليس أمامهم سبيل لتلقي الرعاية الصحية، ومليار ونصف المليار لا يجدون سبيلا للحصول على المياه الصالحة للشرب·

وفي هذا العالم الذي يشتد فيه التعصب والتطرف، والذي يلقى فيه الملايين حتفهم في الصراعات المسلحة، والذي يستشري فيه الفقر والبؤس، لا يجد البعض، مثل ديفيد ريف، مفرا من التساؤل عما إذا كان تطوير المعايير قد حقق أي شيء على الإطلاق “لمن يحتاجون الى العدل أو المعونة أو الرحمة أو الخبز؟ وهل حمت هذه المعايير إنسانا واحدا بالفعل من يد البطش والطغيان؟”·

ولكن ينبغي هنا ألا يخلط المرء بين مشاعر الكآبة الناجمة عن المسار الحالي للأحداث على صعيد حقوق الإنسان، والتشكك في قيمة جهود حقوق الإنسان أو إنجازات الحركة فلا شك في أن المعايير وحدها لن توقف طاغية أو فصيلا متطرفا عازما على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وهنا يأتي دور حركة حقوق الإنسان التي ينبغي عليها، كما ينبغي على كثيرين غيرها، أن تواجه السؤال الصعب الذي يدور حول التدخل العسكري لإيقاف الفظائع· (وأعتقد أن معظم زملائي سيوافقونني على أن اللجوء الى القوة ليس مشروعا فحسب، ولكنه ضروري أيضا من الناحية الأخلاقية في مواجهة مذابح الإبادة الجماعية أو ما يعادلها من فظائع وأهوال، ولكن يظل الخلاف شديدا حول كيفية الترخيص باستخدام هذه القوة وطريقة استخدامها)، وإذا كانت النظم الدكتاتورية لا تتقيد بالمعايير، فالديمقراطيات المفتوحة تتقيد بها ما دامت هذه المعايير تحظى بتأييد المجتمع المدني الحريص على المشاركة، وفيما بين قصف العراق والصرب، الذي يعد في طبيعته أشبه بالعملية الجراحية نسبيا، والقصف الجوي الشامل الذي تعرضت له لاوس وكمبوديا، فضلا عن تدمير هيوروشيما أو دريسدن، يمكن أن نلمس حدوث تطور ملحوظ يتجاوز طيبة القلب في نفوس الجنرالات، كذلك أصبح من الصعب أكثر من ذي قبل أن يسجن شخص مثل نيلسون مانديلا 25 عاما، أو شخص مثل شيا ثاي بوه السنغافوري 23 عاما، فما كان أمرا معتادا من خمسين عاما أو خمسة وعشرين عاما لم يعد اليوم مقبولا على الإطلاق·

إن المعايير تعطي القوة لكل من النشطاء والضحايا، وذلك بأن تضع مقاييس معينة وتضفي المشروعية على مطالبهم، وتنشر “المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كل الشعوب والأمم”كما ورد في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي مجموعة من المجالات التي تتراوح بين حقوق المرأة والاتجاه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، يمكن أن نرى أن عملية وضع المعايير ثم التعبئة لتنفيذها حققت بالفعل نتائج ملموسة·

وعندما شاركت في قضية بينوشيه في مجلس اللوردات الإنجليزي عام 1998، دهشت لمدى النضوج الذي حققته حركة حقوق الإنسان فقد طبقت أخيرا الإعلانات السامية مثل اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على التعذيب في قضية حقيقية ملموسة، ليس هذا فحسب بل إنها طبقت في قضية رجل بات رمزا للدكتاتورية عديمة الرحمة بوجهه الساخر المختفي وراء نظارته الشمسية الداكنة، والذي استخدم تكتيكات قمعية على مدى 25 عاما مضت، فأطلق العنان للقوى التي أدت الى القبض عليه والى عقد جلسات محاكمته - ألا وهي الدعوة الى حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية وكان بينوشيه قد نفى مئات الآلاف من أبناء شيلي الذين يجهرون بالرأي، فتدفق هؤلاء بمساندة الرأي العالمي الغاضب لينضموا الى صفوف منظمات مثل منظمة العفو الدولية، التي بذلت بدورها الضغط لاعتماد اتفاقية القضاء على التعذيب التي مهدت للقبض على الدكتاتور السابق·

ü عضو منظمة هيومان رايتس ووتش

يتبع

طباعة  

أخبار
 
ميلاد أول جمعية لحقوق الإنسان في الإمارات
 
تقرير لحقوق الإنسان: وفيات داخل سجون أمريكية فى الخارج
 
منظمات أدانت الحادث
70 رجل أمن تونسياً "يسحلون" مراسل العربية.نت ويمنعون نشاطه

 
خبير دولي: تشريعات جنائية عربية لا تجرم "الاتجار" في الأطفال
 
شيخ وطفلة.. من أجل الوحدة الوطنية
 
Human.net
 
إضاءة