لم تتعرض قضية إلى جدل ملتبس في بعض الأحيان ، ومتناقض أحيانا أخرى ، كما تعرضت له قضية الحقوق السياسية للمرأة في الكويت ، بعد أن أقحمت دون استناد إلى دليل صلب وسط مفاهيم شديدة التناقض ·
وقد تناسى أولئك الذين أقحموا هذه القضية في غير محلها المفترض أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية ، تعتبر من أهم عناصر العملية الديمقراطية ، وتأتي انعكاسا لمـبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع ، وأن الاستمرار في التمييز السياسي تجاه المرأة في مجتمعنا بهذه الكيفية استمرار لواقع التخلف ·
وما يدعو إلى الاستغراب أيضا، أن هذا الجدال الناشب منذ فترة حول هذه الحقوق، غابت عنه المرجعية الملائمة دون ما سبب واضح ، وأقصد بذلك الدستور الكويتي، الذي يمثل دون غيره المرجع الوحيد والشرعي لحسم أي جدال من هذا النوع، بعيدا عن ما يعتقده البعض خطأ، أن حسم هذا الجدال من اختصاص الشريعـــة الإسلامية فقط·
ومادمنا نعلم أن الموضوع في إطاره العام يتعلق بالديمقراطية، وهي مفهـــوم غربي ولد من رحم "الحداثة"، كما غيره من المفاهيم الفكرية، مثل الاشتراكية، وحقوق الإنسان، وغيرها، فإن من الخطأ الفادح إسقاطه على الإسلام، أو إسقاط الإسلام عليه، لأننا في هذه الحالة سنقع في المغالطة التاريخية نفسها، التي وقع فيها من أقحم الدين في قضية ترتبط بشكل كلي بالموروث الإنساني·
إذن إزاء هذا الواقع فإن توظيف النص الديني، من أجل إضفاء هالة من القدسية على الرأي الرافض، للإقرار للمرأة بشرعية مطالبتها بحقوقها السياسية، في حين أن القضية لا تعدو أن تكون مجرد قناعات مجتمعية، إنما يعني توسلا لحجج خارج سياقها التاريخي، والثقافي، ستوقعنا لا محالة في إشكالية صارخة·
لذلك من الأفضل، أن يكون الدستور والقناعات هي ساحة النقاش·
لقد شهد المجتمع الكويتي في العقود الماضية تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية مهمة، كان من أبرز مؤشراتها زيادة مشاركة المرأة في نواحي الحياة بشكل عام، باستثناء الصعيد السياسي، الذي ظلت مشاركة المرأة فيه محدودة بشكل كبير، إن لم تكن غائبة، على الرغم من وجود التوجه الديمقراطي في البلاد، والذي يتطلب بدوره مشاركة فعالة منها·
ويعني مفهوم المشاركة السياسية حزمة النشاطات التي تستهدف التأثير على القرارات التي تتخذها السلطتان التشريعية، والتنفيذية، ومؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، حيث تشمل هذه النشاطات التصويت في الانتخابات، والمشاركة في الحملات الانتخابية للمرشحين، والانضمام والعمل في الأحزاب، والمشاركة في النشاطات المختلفة المتعلقة بالمجتمع المدني، وحتى المشاركة في النشاطات السياسية الاستثنائية كالمظاهرات والمسيرات وكتابة المقالات التي تتعاطى الشأن العام ، بالإضافة إلى الترشيح للمجالس وتبوء المواقع السياسية في مختلف مستويات السلطات الثـــلاث (التشريعية ، والتنفيذية، والقضائية)·
وإذا اعتمدنا القناعات ضمن ساحة النقاش، فإننا لا يمكننا أن نغفل التنشئة الاجتماعية، لكونها الحراك الاجتماعي الأكثر بروزا، فيما يتعلق بعملية انتقال مجموعة القيم والمعتقدات، والمعايير، والعادات، من جيل إلى آخر، كطرف فاعل في تأخير هذا الحق، وارتباط عملية النقل هذه بخليط من الموروث·
وتتعزز عملية التنشئة، هذه وتنغرس جذورها، من خلال المعايشة والممارسة اليومية، التي نتلمسها في كل وقت·
كما أن لطبيعة هذه القيم والمعتقدات الثقافية السائدة في المجتمع تأثيرا كبيرا على توجهات المرأة نحو العمل السياسي، لأنها إذا نظر لها من زاوية إيجابية، فإن المرأة والرجل سوف يتأثران بها إيجابياً، أما إذا كانت النظرة سلبية فإنهما في هذه الحالة سوف يتأثران سلبياً تجاه المشاركة في الحياة العامة والسياسية بشكل خاص·
وبرغم أن الدستور الكويتي جاء متوافقا مع الواقع، الذي تمثله النظرة إلى الموضوع من الزاوية الإيجابية، خاصة في المادة السابعة منه التي تنص على أن "العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين"، وكذلك المادة الثامنة التي تشدد على أن الدولة "تصون دعامات المجتمع، وتكفل الأمن ، والطمأنينة، وتكافؤ الفرص بين المواطنين"، وكما نرى لا يوجد بهما تمييز ضد المرأة، إلا أن قانون الانتخاب الكويتي، الذي يقع في منزلة قانونية، أقل من منزلة الدستور وقف في مفارقة غريبة حجر عثرة أمام المرأة، دون ممارسة حقها الذي كفله لها الدستور، حيث تقصر المادة الأولى من هذا القانون حق الانتخاب والترشيح على الرجال دون النساء، مع أن الدستور يتبنى رأيا آخر·
ولكون هذه المادة تشكل تناقضا صارخا مع الدستور، ومع الاتفاقية الدولية التي تشدد على الحقوق الدستورية للمرأة، كان من المفترض أن تتحرك الحكومة الكويتية لتلافي هذا التناقض، إلا أن تحالفها المستمر منذ عام 1976، عندما أوقف العمل بالدستور الكويتي مع التيار الإسلامي في البلاد، منعها من ذلك ، وما المرسوم الذي بعثت به إلى مجلس الأمة من أجل إعادة هذا الحق إلى أصحابه، إلا محاولة لتجنب الضغوط الدولية عليها بعد تنسيق مع هذا التيار من أجل إسقاطه·
وهنا يجب تذكير الحكومة، بأنها وقعت على اتفاقية دولية تنص في مادتها الأولى على أن "للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز"، بينما تنص المادة الثانية من هذه الاتفاقية، على أن "للنساء الأهلية في أن يُنتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز"، وإذا لم تلتزم بها فإنها تسجل إخلالا بالمواثيق والمعاهدات الدولية·
*رئيس الجمعية الكويتية لتنمية الديمقراطية |