رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 9 رجب 1424 هـ - 6 سبتمبر 2003
العدد 1593

بعد أن جيرتها السلطة لصالح مشروعها
تفعيل مؤسسات المجتمع المدني يعيد التوازن للساحة السياسية
ناصر يوسف العبدلي
???? ??????? ???????? ?????? ???????????

                                                                         

 

 

" نادي الاستقلال وجمعية الثقافة الاجتماعية أكبر دليل على أن الحكومة لها اليد الطولى في مراقبة هذه الجمعيات وحلها عندما تخرج عن طوعها

" تعطيل أو غياب المؤسسات سيخلق حالة من الفراغ داخل الدولة·· ووجودها يفعّل الديمقراطية ويجعلها قوية

" الدولة تفرض قيودا على مؤسسات المجتمع المدني مما يؤثر على فعالياتها ويهمش دورها

" الدول التي تنشط فيها المؤسسات تكون أكثر استقرارا وديمقراطية من تلك التي تعتبرها خطرا عليها

 

لم يعد نادرا أن يعبر الجيل الحالي عن يأسه في أكثر من مناسبة تجاه ما يطلق عليه "انحسار" إمكانية تغيير الواقع السياسي الراكد منذ زمن طويل حتى يخيل للمرء أن هناك أطرافا غير الجيل نفسه تتحمل عبء هذا التغيير·· فلماذا تحول هذا الجيل إلى "متبرم" بهذا الشكل من أوضاع لم يغب لحظة واحدة عن الاشتراك بشكل أو بآخر في نسج خيوطها سواء من خلال جهله بطبيعة الدور المناط به·· أو من خلال خضوعه للفكر السائد على الساحة السياسية·· وكيف يمكن "تحفيز" هذا الجيل للاضطلاع بدوره كما هو الشباب في كل الدول المتحضرة·· خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن جوهر النظام الديمقراطي الذي نتمتع به! يتحصن خلف مفهومين رئيسيين هما "المبادرة" و"التطوع" وما من شك أن غيابهما عن الساحة يعني الكثير في ظل وجود مجموعات "خارجة" عن الدستور تقوم بالترويج لما يسمى "وثائق الإصلاح"·

ولابد عند تناول هذا الموضوع الانتباه إلى أن هناك فرقا كبيرا بين "وثائق الإصلاح" تلك، ومفهومي "المبادرة" و"التطوع" اللذين يتفرد بهما النظام الديمقراطي عن غيره من الأنظمة الإنسانية، بعدما تعودنا على إجهاض أية "مبادرة" من خلال تسويقها في ثوب الإصلاح وبشروطه القاصرة وتقديمها بشكل يثير الشفقة إلى "أطراف" جبلت على رعاية الفساد والتشجيع عليه عن طريق ممارستها المعروفة·

ورغم كل شيء لا يمكن تجاهل أن مسؤولية غياب المؤسسات التي تحقق التوازن السياسي على الساحة لاتقع على طرف واحد إذا ما التزمنا جانب الحياد بل إنه نتاج تقاعس المواطنين وتفريطهم في حقوقهم من جانب واستمرار "نخبة الحكم" في الالتفاف على الحقوق الدستورية للمواطنين مادامت لا تواجه ضغوطا تجبرها على احترامها·· ومادام يمكن علاج أي "احتقان" اجتماعي بالوسائل الأمنية كما هو حاصل في الكويت·· وربما بعض الدول الخليجية·· إذا ما عرفنا فهي لا تمانع قانوناً بإنشاء الجمعيات والتنظميات المدنية·· لكنها في الوقت نفسها تضع من القيود ما يجعل لها اليد الطولى في مراقبة هذه المنظمات أو حلها أو تحديد مجال حريتها وحركتها إذا خرجت عن طوعها كما حدث عندما حل نادي الاستقلال وجمعية الثقافة الاجتماعية·· وتشمل هذه القيود التي تفرضها الدولة على المجتمع المدني قيودا تشريعية وإدارية وسياسية وهذا يؤثر على فعالية المجتمع المدني ويهمش دوره ويظهره على أنه منحة من السلطة وليس حقا مكتسبا وفره الدستور الكويتي·

وبمناسبة الحديث عن مفهومي "المبادرة" و"التطوع" المهمين جدا للمشروع الديمقراطي فإنه لابد أن نعرف أن تحويلهما إلى واقع ملموس يتطلب تفريغهما في قوالب دستورية كما هي مؤسسات "المجتمع المدني" المناط بها في الدول المتقدمة مهمة إحداث توازن على الساحة السياسية وخلق أجواء مناسبة لتغيير الصيغ السائدة·· مرورا بإعادة هيكلة الواقع السياسي·· وانتهاء بتطوير المشروع الديمقراطي·

والمفترض أن غياب هذه المؤسسات أو تغييب دورها إذا كانت موجودة كما يحدث عندنا يجب أن يكون محور الصراع الحقيقي بين قوى التجديد والقوى الأخرى الملتفة حول السلطة حتى نعيد لها دورها القائم على تشكيل الرادع الحقيقي "لطغيان" الدولة على المجتمع·· لأنه ليس من الغريب أن تتحول السلطة إلى "متسلطة" عند فرض مشروعها القائم على تحقيق الاستقرار لنفسها على حساب النشاط الاجتماعي لذلك فإن التشديد على إيجاد المجتمع المدني الهدف منه خلق التوازن بين السلطة، أي سلطة ودور المجتمع·· وكما نرى فإن الدول المتحضرة تعتمد في استقرارها الاجتماعي على حيوية "المجتمع المدني" الذي لا يأتمر بالدولة·· لكنه يلتزم بنصوص العقد الاجتماعي "الدستور"·

إذن في هذا الإطار فإن التحدي الحقيقي للكتل التي تطلق على نفسها "المعارضة" هو إعادة التوازن للساحة السياسية بعدما بدا واضحا أن الميزان اختل منذ فترة طويلة لصالح السلطة·· وأهم جانب في ذلك التحدي هو إعادة إحياء مؤسسات المجتمع المدني كخطوة أولى بعد أن ارتهنتها السلطة لفترة طويلة·· وربما يكون من الملائم قبل التطرق إلى خطورة غياب دور مثل هذه المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية وفي استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن تأثير رأسمالية الشركات في القطاع الخاص، حيث من المتعارف عليه أن تساهم هذه المؤسسات في بلورة المشاريع والرؤى خارج المؤسسات السياسية القائمة "السلطة التشريعية + السلطة التنفيذية" على أن تحمل غايات مهنية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء والمثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وكل ذلك يقع تحت فكرة "الطوعية" أو بكلمة أخرى المشاركة الطوعية التي هي بالأساس الفعل الإداري الحر أو الطوعي، التي تميز تكوينات وبنى المجتمع المدني عن باقي التكوينات الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة تحت أي اعتبار·

وبهذا يتحول المجتمع التقليدي إلى مجتمع مدني منظم يعتمد فكرة "المؤسسية" التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريبا على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية·

إن قيام الدولة الحديثة كشف عن حاجة ملحة إلى تنظيم مؤسسات اجتماعية تحمل أكثر من وظيفة، وتستهدف بدرجة أساسية التعبير عن مصالح مجموعة كبيرة من الأفراد·· وهذه التنظيمات دعت إليها الحاجة إلى أهمية إحداث توازن في مقابل الدولة ذات الطبيعة "التسلطية" بغض النظر عن الإيديولوجيات أو الأنماط التي استقرت عليها·· وسنجد أن الدول التي تنشط فيها مثل هذه المؤسسات أكثر استقرارا وديمقراطية من الدول التي مازالت تعتبر قيام المؤسسات الأهلية غير الخاضعة لإشراف الدولة "أخطارا" محتملة ومصادر تهديد لوجود الدولة·· ومن الضروري معرفة أن غياب مؤسسات المجتمع المدني أو قطع الطريق عليها وتعطيل فرص ظهورها سيخلق حالة من الفراغ·· لن تمنع قيام "البعض" من ملئها على حساب الإطار الدستوري المتفق عليه·

وبعد هذه التوطئة يمكن الانطلاق إلى تناول "الغائية" من وجود هذه التنظيمات وأهمية استقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعي·· ولعل أهمها إغلاق "الثقوب" فيما إذا وجدت كما في واقعنا السياسي أمام تسرب أي مفاهيم من جانب السلطة بهدف "التشويش على أي تحركات من أجل تنمية المشروع الديمقراطي· بينما يتمثل الأمر الثاني في سد الفجوة بين المؤسسات القائمة وخلق نقاط اتصال بينها بحيث تؤثر في المحصلة النهائية على خيارات النظام نحو النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءا من منظومة أوسع تشتمل على "حزمة" من القيم أهمها الفردية والمواطنة وحقوق الإنسان·

ويهمنا في هذا الصدد التوضيح أن مفهوم المجتمع المدني يأتي نتاجا للمشروع الحداثي الغربي، وربما يكون أول من طرحه أرسطو من خلال بلورة "مجتمع سياسي" تسود فيه حرية التعبير عن الرأي·· وهناك "برلمان" مهمته التشريع والرقابة إلا أن حصر المشاركة في هذا "البرلمان" على النخب وتجاهل بقية فئات المجتمع أدى إلى إرباك في قيمة الوظيفة المفترض أن تؤديها مثل هذه المؤسسات، ولم يختلف جون لوك "1632-1704" عن أرسطو في تناوله للمجتمع السياسي الذي رأى فيه فرصة لمعالجة الخلافات وتنظيم حالة الفوضى وإيجاد حلول للصراعات التي يمكن أن تنشأ، ويبدو أن لوك أراد بذلك استبدال الصيغة السائدة في عصره بصيغة أكثر ديمقراطية "مجتمع سياسي ذي قوانين وشريعة"·

لقد ظلت مفاهيم المجتمع المدني "عائمة" بشكل كبير إلى أن صاغها جورج فريدريك هيجل "1770-1831م" في بداية القرن التاسع عشر بنمط أكثر تحديدا عندما وضع "المجتمع المدني بين مؤسسات الدولة والمجتمع التجاري (القائم على أساس الربح) سعيا منه لرفع قدرة المجتمع على التنظيم والتوازن·· ولم يذهب المفكر الإيطالي الاشتراكي أنطونيو غرامشي بعيدا عن توصيفه لهذا المفهوم عندما دعا إلى تطويره من خلال زج المثقف في أتون عملية تشكيل الرأي ورفع المستوى الثقافي·· وهذا بلا شك مثل الخطوة الأولى في حتمية تكوين منظمات اجتماعية ومهنية نقابية وتعددية حزبية لهدف اجتماعي صريح يضع البناء الفوقي (المؤسسات السياسية القائمة) في حالة غير متنافرة مع البناء التحتي (طموحات الجماهير ورؤاهم) وإيجاد طريقة للتفاعل الحيوي المستمر بينهم·

 ويؤكد دور هذه المؤسسات ماكتبه المفكر الإيطالي روبرت بوتنام "كلما تواجدت مؤسسات المجتمع المدني وأدت دورها كلما كانت الديمقراطية أقوى وأكثر فعالية"، والعكس صحيح، وكذلك كارل ماركس عندما قال إن "المجتمع المدني هو البؤرة المركزية ومسرح التاريخ واللحظة الإيجابية والفعالة في التطور التاريخي"·

ومادام الإنسان "حيوان سياسي" كما يقول المفكرون فإن ليس ثمة ما يدعو للإحباط·، لأن الخيارات غير محدودة أمامه لإيجاد "نقاط" فاعلة تدفع به نحو تنظيم نفسه في قوالب دستورية محضة·

انطلاقا من هذا التصور نحو تفعيل مؤسسات المجتمع المدني "أحزاب - جمعيات - نقابات - دور نشر - صحف) فإن الواقع يفرض بلورة استراتيجية وفق مبادىء وآليات جديدة في إطار توظيف فعالية المؤسسات الأهلية القائمة والضغط من جانب المجتمع وممثليه في السلطة التشريعية من أجل فتح الطريق أمام إشهار المزيد من جمعيات النفع العام على سبيل المثال·· بالإضافة إلى الدفع تجاه رفع الحظر عن إنشاء مؤسسات صحافية جديدة بدلا من السماح للسلطة بتصفية المؤسسات القائمة بجرها بعيدا عن دورها المفترض·

كما أن وضع خطة ثقافية عامة تتوخى قراءة الواقع والتأسيس عليه يشكل مطلبا ملحا لتوعية الجماهير وتحويل الرغبة في النقد من أجل النقد إلى جهد علمي محض خال من الأهواء والمصالح يتوخى ضرورة البحث عن نقاط مشتركة بين الاتجاهات الفكرية لتشجيع الحوار بينها وعدم الاكتفاء بالتباينات ونقاط الخلاف، وخلق مناخات لدى النخب الفكرية المستقلة للمشاركة في هذا الجهد، بالإضافة إلى حث النواب مرة أخرى على الانفتاح أمام تبني قوانين تنمي الديمقراطية وتساعد على تعزيز دولة القانون وملاحقة الفساد، ومن الممكن في هذا الجانب الدعوة إلى حوار وطني حول هذا الملف المهم بشرط أن نعي خلال ذلك أن تفعيل هذه المؤسسات ليس مجرد ترف فكري، وإنما خطوة في الطريق الصحيح لإيقاف الواقع المتردي ومحاولة لتفعيل الكثير من الطاقات التي أعياها "الإحباط"!!!·

 

ü رئيس الجمعية الكويتية

لتنمية الديمقراطية

 

�����
   
�������   ������ �����
التطرف·· من أيقظه؟ الأنظمة أم المخابرات الغربية؟
اطلبوا الحل ولو في الكويت!
الحريات الصحافية في دبي
لماذا غابت عن " جوائز الحرية " ؟
منع التحولات الاجتماعية يحرض على اصطدام الطبقات
بعد أن جيرتها السلطة لصالح مشروعها
تفعيل مؤسسات المجتمع المدني يعيد التوازن للساحة السياسية
خوفا من اضمحلالها أو تلاشيها النقد الذاتي للتجربة الديمقراطية في الكويت يحصنها من الاختراق
قضية حقوق المرأة السياسية في الكويت·· ملتبسة أم متناقضـة !!
الديمقراطية في الخليج·· الصفقة انتهت!
 

في خطبة صريحة لوداع السياسة والعودة للثقافة
هافيل: كنت متردداً ·· خائفاً ·· و فقدت الثقة في نفسي!:
حمد عبد العزيز العيسى
آفاق ورؤية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
بعد أن جيرتها السلطة لصالح مشروعها
تفعيل مؤسسات المجتمع المدني يعيد التوازن للساحة السياسية:
ناصر يوسف العبدلي
حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل:
المحامي د.عبدالله هاشم الواكد
هل تنفع معهم الثنائية؟
الإشكال في النقد الثنائي للفكر السياديني:
خالد عايد الجنفاوي
الشتات العربي:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
التنمية الثقافية في الكويت:
يحيى الربيعان
العراق والكويت: ماذا بعد؟:
عامر ذياب التميمي
الموت الإكلينيكي:
عبدالله عيسى الموسوي
ندوة لندن وتداعياتها
"سقوط الأقنعة":
عبدالمنعم محمد الشيراوي
سياسة "خذوه فغلوه" تجاه الگويتيين البدون!!:
د. جلال محمد آل رشيد
حملة انتخابية مستمرة:
المحامي نايف بدر العتيبي
محاكمة المجرمين العراقيين الصداميين ضرورة إنسانية وقانونية وأخلاقية:
حميد المالكي