يمتلك الإنسان مواهب وقدرات كثيرة يستطيع إذا فطن لها أن يستغلها ويستفيد منها، فالله سبحانه خلق في كل إنسان قدرات وأعطاه إمكانات متنوعة تحتاج الى صقل لتصل الى درجة الإبداع أحيانا·
ومن خلال متابعتنا لسلوك البشر نجد الكثير منهم يملك هذا النوع من العطاء·
جاءتني هذه الخاطرة وأنا أقرأ كتابا سياسيا للدكتور علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران السابق·
والدكتور ولايتي طبيب أطفال احترف السياسة وأبدع فيها وأصبح وزيرا للخارجية في أصعب الظروف التي مرت على بلاده ونجح في عمله·
وكتابه الذي قرأته هو (إيران وفلسطين 1897-1937 جذور العلاقة وتقلبات السياسة)، ويتحدث الكتاب عن بداية العلاقات بين البلدين من خلال الوثائق والأدلة المنشورة ويوضح كيف اهتم اليهود بتدريس أبنائهم في كل أنحاء العالم منذ القرن التاسع عشر تمهيدا لتجمعهم في فلسطين وإقامة دولة لهم·
وكيف أن زعيم اليهود في إيران قد تحرك واشتكى أوضاع إيران وطلب من زعماء الجمعية اليهودية - التي تشكلت عام 1860 في فرنسا وكان هدفها الارتقاء بالمستوى الاجتماعي للأقليات اليهودية - فكان أن تشكلت في طهران أول مدرسة لهم بعد أن أخذوا إذنا من ناصر الدين شاه الذي زار فرنسا تلك الأيام·
وبعد أن أعلن عن وعد بلفور وتكوين الكيان الصهيوني بدأت الهجرة اليهودية الى فلسطين لترسيخ هذا الكيان حيث هاجر الكثير من اليهود الإيرانيين والذين تعلموا في تلك المدارس وهذا يدل على أسلوب اليهود في التخطيط والعمل للمستقبل بأسلوب منظم ودقيق ويوضح الكتاب الصدامات التي وقعت عام 1922 في حارة اليهود في طهران بين اليهود والمسلمين وكيف استغلها اليهود مما حفز بعض الممثليات الدبلوماسية الأجنبية للتدخل لصالحهم وخاصة أن المندوب السياسي الأمريكي في طهران كان يهوديا، وبعدها هاجر الكثير من اليهود الى فلسطين إلا أن الكثير منهم آثر البقاء في إيران·
ثم يتحدث الكتاب في فصل كامل عن دور علماء الشيعة في دفاعهم عن فلسطين وإصداراتهم الكتب والمنشورات لدعم القضية الفلسطينية وصدور الفتاوى للدفاع عنها ومن أشهرها فتوى المرجع الكبير آية الله محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي حرم على العرب بيع أراضيهم لليهود في فلسطين سنة 1939، وكذلك فعل آية الله أبو الحسن الأصفهاني وهو من الفقهاء الكبار الذي وجه رسالة الى الحكومة الإيرانية لبذل جهودها في عصبة الأمم لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة·
ثم يوضح دور المقاومة الفلسطينية ومحاربتها للصهاينة وبالأخص الدور الأساسي الذي قام به الشهيد الشيخ عز الدين القسام·
الكتاب في حد ذاته مهم لأنه يسجل بالوثائق بداية العلاقات الإيرانية الفلسطينية وتطورها وخاصة أنه كتب بقلم شخص قدير كان يدير السياسة الخارجية لبلاده سنوات كثيرة·
وهذا الكتاب يضيف بعدا جديدا للمكتبة العربية كان مجهولا للكثير من القراء العرب·
|