| تعود بي الذاكرة دائما - حين يأتي الحديث عن المقررات والمناهج - الى مناهج الاجتماعيات إبان مرحلة الدراسة المبكرة، وأذكر على وجه التحديد كتاب المجتمع لمرحلة الثانوية العامة، وما كنت أواجهه من صعوبة في التحضير للامتحان في تلك المادة آنذاك، فالكتاب بسرده الممل كان عصيا على الحفظ والاستيعاب لأنه كان يتحدث معنا بلغة غير مفهومه وبعيدة كل البعد عن الواقع الذي كنا نعيشه، كنا كطلبة في ذلك الوقت نرى أن المخرج الوحيد عند الاستعداد لامتحان مادة المجتمع هو الحفظ عن ظهر قلب لتفاصيل الكتاب كما أوردها المؤلف، تلك التفاصيل التي نادرا ما تركت أثرا في أذهاننا بعد انقضاء فترة الامتحان لأنها وكما أشرت مسبقا بعيدة كل البعد عن الواقع·
في الأسبوع الماضي عادت بين الذكرى لكتاب المجتمع ذلك وأنا أقرأ تفاصيل اختصاصات “المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية” والذي من المرتقب أن يصدر مرسوم أميري بتشكيله، فاختصاصات المجلس المنتظر تشبه في تفاصيلها والى حد كبير تفاصيل كتاب المجتمع للمرحلة الثانوية، وهي - أي اختصاصات المجلس - تتفاوت بين تحديد الأهداف بعيدة المدى للتنمية ورسم السياسات المستقبلية وتحديد التوجهات العامة فيما يتعلق بشؤون التنمية، وأيضا اقتراح الوسائل والآليات المناسبة لتأكيد اتصال خطط التنمية المتتالية، بالإضافة الى وضع التصورات التي من شأنها تطوير برنامج عمل الحكومة والآليات اللازمة لتنفيذه، وأيضا الربط بين الخطط التنموية والاشتراطات اللازمة لتحقيق التوازن البيئي في المشاريع التنموية، وغير ذلك من تقديم الدراسات والتوصيات في المواضيع المحالة واقتراح الآليات المناسبة لتفعيل ترابط شبكة نظم المعلومات في الدولة··· إلخ إلخ إلخ·
وتحوي قائمة الأعضاء المعينين في المجلس بعض الأسماء لرموز قيادية وإدارية سابقة فشلت في إحداث التطوير المطلوب في المؤسسات والوزارات التي ترأستها من قبل، وهو أمر يطرح علامة استفهام كبيرة هنا حول فعالية المجلس لما يتعلق بالتنمية المطلوبة كما أن مثل هذا المجلس وتحديدا في المرحلة الراهنة التي يدور فيها الحديث وبصورة مكثفة حول الإصلاح السياسي في الكويت كترتيب بيت الحكم وتعديل الدوائر الانتخابية، وتنقية المناخ الديمقراطي من شوائب القبلية والطائفية، وتحجيم نفوذ نواب ووزراء الخدمات، وإعادة رسم سياسة الكويت الخارجية، ومحاربة الفساد داخل وخارج مؤسسات الدولة، وغير ذلك من أولويات يحتم المنطق معالجتها أولا حتى تقوم المشاريع التنموية على أساسات صلبة ومتينة·
لقد عشنا في الكويت وطيلة ثلاثة عقود على وهم وزارة التخطيط، قبل أن تتضح في الصورة وندرك معها أن الخلل هنا ليس في المسميات وإنما هو في النهج المتبع والعقلية التي خططت البلد طوال تلك المرحلة، وأن وزارة التخطيط لم ترسم برامج تنموية صالحة بدليل حالة التخبط في مشاريع الدولة العمرانية منها والتنموية، فما كان من الحكومة إلا أن أغلقت ملف الوهم الكبير، الذي نتمنى ألا يكون قد عاد متخفيا وراء مسميات أخرى·
يشكك الذين طالعوا اختصاصات المجلس التنموي المزمع إنشاؤه، والذين اطلعوا على قائمة أسماء الأعضاء فيه يشككون في مقدرته على تحقيق المشاريع التنموية المطلوبة خاصة ما يتعلق منها بتقديم الدراسات والتوصيات في المواضيع التي تحال إليه من مجلس الوزراء فقائمة الأسماء غيرمتجانسة إطلاقا مما يعني أن الاتفاق على أي مشروع أو توصية سيكون صعبا إن لم يكن مستحيلا كما أن كل الأسماء الواردة هي لرموز قيادية سابقة خرجت من الصورة الرسمية لتتصدر صورة وهمية وتعيد بعضا من (رسميتها) السابقة بفعل بعض الرتوش الحكومية·
suad.m@taleea.com |
