قد تهمس الوردة الحالمة بالمطر·· قد تهمس لعيون القمر فيستيقظ حبك العنيف في خيول عمرك، وينفض عنك الخواء والسكون، دافعا بحواسك إلى دهشة الاكتشاف، وطراوة الحلم، وتحط الفراشة على شفة القلب·· يتنفس حقل الزنابق·· تصفو السماء·· يتدافع المدى بين زرقتي الماء والسماء·· يوقظ الضباب نجمة، ويهتز عرش القلب·· فأطيّر بعينيك عصافير الهوى الوردي من نعمة الحب الذي اطعمته زهر الربى·· يورثه المساء إلى المساء، وفي كل زوايا الشوق يزهو الياسمين فنتسلف ضياء الفرح الرائع والحلم الآتي من خاصرة الذكرى شهيا·· وجهك أنت·· صوتك أنت في الجهة الطرية من تشوك الزمان·· وهذا قلبي وجسدي اندلعي فيهما حنينا أو غزالا مبللة في الفجر·· أو لمسة من شمعة في رحلة توعدني بشعاع اللقاء على أعتابك القاسية العطر·· فتورقين وتزهرين وتثمرين·· فأتشهى على صدرك رمان بلادي وانزع كل ملاءات الخوف، واجلو بناظري شمس تسير بعريها الذهبي بين أضلاعي·· مباركة أنت·· ما كنت أجلو صدأ الأيام لولاك تضحك الغزالة، والشمعة، والشمس، ويملأ العالم رنين الضحكات·

يا آخر الأقمار، والمطر صديق·· يسند روح النور في نداء العيون والعالم يدور ويتغير·· زمن يزحف من تحت الأبواب يتمكن منا في أنثى العصور ونهار الأحلام "الفضيلة هي المعرفة" هذا ما قاله أبو الفلاسفة سقراط وهذا ما اتخذ منه أفلاطون مبدأ المبادىء إذ لا فضيلة لجهل، والجاهل إذا أراد أن ينفعك أضرك··!

المعرفة هي المعادل للخير والصلاح، وفي هذين الرقي، والتطور أما الجهل فلا خير فيه ولا صلاح، ومن ثم لا رقي، ولا تطور والمسألة المصيرية التي نواجهها كأمة، كوطن هي أن نرتقي ونتطور أن نتلاشى ونزول أي أن نكون أو لا نكون·

إنه عصر التحديات الكبرى·· أمم في ذروة سلم الحضارة، وأخرى في العتبة السفلى منه·· بلدان في أوج الازدهار والوفرة، وأخرى في حضيض الفاقة والندرة مجتمعات تعيش الترف والبذخ وأخرى تعاني المجاعة والبؤس والفارق المأفون هو: المعرفة هناك علم وتكنولوجيا وهنا تخلف وأمية هناك نور المعرفة وهنا ظلام الجهل والخطيئة مخيفة، والتحدي خطير·

فما من عدو للإنسان فردا كان أو مجتمعا كالجهل، وما التاريخ البشري إلا تلك السيرورة الرائعة، والكفاح المتواصل للتخلص من ذلك العدو الفاتك والوصول إلى أبواب المعرفة وبرها الأمين·· بالمعرفة تحدى الإنسان قوى الطبيعة الغاشمة وبالمعرفة انتصر على أعدائه واحدا تلو الآخر ليتوج في النهاية سيدا للكون إننا كأمة وكوطن نواجه القدر الأكبر من التحديات في عالم يضيق يوما بعد يوم بقوى الشر والعدوان ثمة الكثير ممن يتربص بنا الشر، وعلينا وهأنذا اعبىء ما تبقى من حطام القلب بالكلمات افتش خلف أسوار الرماد المر عن تشردنا هل كنت تعلم أن ليلا ما سيأتي يعربد فيه آل صهيون بصلف وحقد ألوف السنين؟·· غمسوا حقدهم بشهقات الشهداء وبالدماء ورائحة الموت والإشلاء·· فماذا بعد الطاولات الممدودة على دمائنا؟! أنصير أصدقاء؟! أتصير اليد المقطوعة صديقة الحرية التي قطعتها؟! أتصير العين المفقوءة حبيبه الطلقة كيف نصير أصدقاء يا سجاد الصلاة المغمّس بصباحات "خليلية"؟! كيف نصافح جثثاً·· كيف نصمت أمام مهزلة الاستيطان في الأرض العربية؟! وماذا نفعل أمام البلدوزرات التي تهدم منازلنا على الجبهة الحزينة·· إن دولة آل صهيون من أبشع الدول في هذا العالم وأرثها قدرة حيث إن فسيفساء من كل شعوب العالم الشرقي والغربي ففيها العربي والإفريقي والإيراني والانجليزي والأوروبي وكل خطيئة العالم التي تمشي بتعصب وإرهاب وقمع حتى فيما بينها فاليهود الشرقيون غير اليهود الغربيون في المكانة الاجتماعية والسياسية "والفلاشى" الذين دفعوا الملايين لجلبهم إلى أراضيهم لا يعتبرونهم من اليهود فهم خدام أو عبيد فهي دولة تسيل أمراضا وأحقادا وكلابا وذئابا في الشوارع الممدة على عزمنا وفرقتنا·· ولكن يعرف العراف أن الموت ليس كل شيء يقول من ترابنا تنبت في دفاتر الأطفال حكاية شريطة زرقاء في جدائل النبات!

يقول: إن دورة الحياة لا تبتدىء باثنين ولا تنتهي باثنين وإن جمرة الحياة في الكف وجمرة أخرى في الرماد·· ارفع جبهتي من ركام بؤس السياسة وأشير باصبعي للقتلة الذين يمارسون القتل ببرود وسفالة وأشير أن لخدعة السلام وجهين وجها من الشعارات، ووجها من الرصاص المتفجر، والهروات، والديناميت، وقرارات خلع الإنسان من وطنه، والمدفعية سريعة الكلمات في إيقاعاتها السريعة والمجهزة بأقلام الغرباء عن الإنسان، وحقوق الإنسان من واشنطن إلى تل أبيب ولكن قلبي قميصا لا يستر عورة وجوهنا وبينما المركب العربي يترنح فإن الانتفاضة وأطفال الحجارة تنطلق هذه الأيام في طرقات فلسطين·· تنهض من رقاد السلام وأوهامه وسرابه وتمسك بيقظة الصحو في عروق الحجارة فاسرائيل الهشة والقشة والخوف، ولكنها تقتات على تمزقنا وضياع الصدق وبصيص من التوحد والاتفاق وتخطي مطبات عدم الاتفاق يحدو الأقوى إن يفتك بالأضعف· عذرا·· زيفا غضبا قبليا·· ولا بد أن نقلل من مقتل "اسحق رابين" فإن المجتمع الاسرائيلي الذي تلمعه أميركا وتمده بكل أنواع البقاء مليء بالمتناقضات بالطبقية وبالإرهاب والتطرف والعنصرية، وعصف من الفواجع ونوعية بغيضة من القتلة من عكا إلى النقب ومن الأغوار إلى الكرمل حتى إن الحروب المتتالية التي خاضتها الدولة اليهودية لم تحل مشكلتها في الخوف والرعب من المستقبل وإن الجنوب اللبناني المتصدي ببسالة شكل هلعاً حقيقيا وأخل بالموازين السياسية والعسكرية التي جاء لتنفيذها فكيف إذا أعدت الأمة العربية وجمعت روحها وإمكانياتها وطاقاتها وتخلع عنها ثياب الغياب الصعب وتنشر راحتيها بقوة الخوف على الوجود على السهول وفوق أغصان الصباحات التي انكسرت وفوق قمم الجبال ويداها أغنية من مطر ونار وتعيد ترتيب النشيد الحر ·· المجد كل المجد للإنسان العربي وليس لحثالة من شذاذ الممالك والمهالك فهل تسمعين أفق هذا النداء؟ فاشعل فوق الطور قصيدتي ويلعب الإرهاب والحروب والاغتيالات بين كيانهم المهترىء والممتلىء على حسابات خلافاتنا وحماقاتنا وحروبنا التي نخوضها بشراسة ضد بعضنا، وأن نجتاز نزيف الشوك والمهاترات إلى تدفق الخطاب القومي ليقول العالم لا لا للحقد ولا للحروب ولا للقوة تأكل أطفال الحجارة يا طفل الحجارة ما بيننا وبينك من مسافة تقصر ونهار يقترب فالشمس عالية "ونحالين" عالية والأرض عالية "ونحالين" غالية ما عدا ذلك كله يهبط ويهبط ويهبط والفعل والبيارق والدماء الآتية أيضا عالية، والدم مزيج يصنع في عقول أمتنا أن مرحلة الصلح والتطبيع ستسقط على رأس من خذلوها·

* * *

سيدة الندى·· بداية العمر ونهايته فيك اجتماع حواسي التي بها أملك العالم وأنت اجنحتي المتكاثرة· اخذني هذا العام وأنت وأنت قريبة مني ألوف الأميال والأميال·· وحلم ابتسامتك الواقفة على كتفي وقمرا في الجبين يحطم السور الذي بيننا··· لم تبق قطرة حب بقلبي لم أنزفها فاسألك عن حب أدفن صدري فيه·