رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19-25 جمادى الآخرة 1420هـ - 29 سبتمبر 5 أكتوبر 1999
العدد 1396

من وحي الناس
الطفولة وغسيل الدماغ
خالد عبد العزيز السعد

الطفولة براعم الورود، ونوارات الأشجار، وبدء الينابيع· والعشب الندى البكر، والشمس الطالعة في الفجر·· تروي براءتها، وتدهش حيثما وجدها الإنسان، وتدفع الوجد الى الشفافية، والحلم كأنما الشوق الى البراءة والنقاء، وافتقاد العذوبة والفرح، والاشتياق الي الجزر التي لا تتعامل مع الوقت والحب الصعب، والمتجدد· يدفعنا الى حب البدايات تعبيرا عن بساطة رحلت أو حنينا الى أزمنة الصدق، وجدائل العمر الخلي، وشوائب الزمن التي تتكسر في وجه العشب، والأقمار التي تهجر الأفق·· الأهل والأقرباء وعمق البحر، وزرقة الأفق المضمخ بالأماني وبالهواء الطلق·· رقعة حاصرتها الكوارث·· رصاص يجوب البلاد، وصرخة البلادة والأنانية، والانتهازية وضجيج الأحزاب المتأسلمة والذبح بالساطور أو الخنجر والسكين والقدوم· وانبش التاريخ من عصر الخلافات القديمة الى الخيانات الجديدة والتطبيع مع شذاذ الممالك والمهالك والخرافات التلموذية!!!

لكن الطفولة واحدة تتكرر دورتها، والعيون تُكحلها نسمة في القِماط·· ضحكاتهم التي تسري في عروق الأرض، وهي تحبو وهي تلهو بالدمى والعرائس، وبالحيوانات الأليفة بالبط والدب والحصان والضفدع عالم وكلام مبعثر بالضوء· وبالغناء الحر·· طيورا، وماء وزهورا وبيوتا من الخشب والكرتون، وطريقا، وحلما، وحفلة عرس وزغاريد للفرح الظليل، أقمار تُزين بالزنابق والندى وحب الأيام وحب المدرسة وحب المعلم والمعلمة، وجهها صيف من الأحلام وعقولها فوق أغصان صباحات الطهارة·· وبرق الخلق والإبداع·· قلوبهم مفعمة بنور الشمس يشربونها الى آخر قطرة، وعيونهم نوافذ فوق البحر والصحراء والسماء، والأصوات·· أصواتهم طافحة بالآمال المطرزة بابتسامات الورود ورقص أعراس الضياء، وما تخبئه الأيام·· منذ خمسين عاما وهذه الأرجل الصغيرة تمضي الى مدارسها بصبر لا يجارى، وظمأ الى المجهول، وتشتت في النسائم، والمقاعد·· والمراكز، والأعمال، والأموال· والبدائع في كل مجالات الحياة·· ومنهم من صار من حماة الوطن الأشاوس أو في الاقتصاد أو الطب أو الهندسة أو في مراكز البحوث، والطيران، والسياسة، والإعلام الخ··· الى أن كان ما كان أبصرها الزمان الوغد عراف الخطيئة·· تاجر الأحزان والإرهاب وسفّاك الدماء فدارت جبال النار دورتها فإذا أصوات طاعنة في الذهول تشن حربها البشعة ضد كل ما يوقد الخيال، ويُغني الإبداع·· ضباع من التاريخ مهزومة والسلاح الذي تستخدمه "الأصولية وحديثو التدين" هو الدين المقدس واتخاذه عباءة يتستر تحتها مصدرو العنف والإرهاب الفكري حتى يتحول الدين الى فزاعة تستخدمها جماعات التطرف والعنف السامية الى السلطة والأدهى والأمر يقوم بعض رموز السلطة بغض النظر عما يفعله هذا التيار الذي يحاول ضرب الفكر والعقل في زمن عربي رديء ضمن منطق أحادي لا يقبل العقل والحوار وليسود ذلك الكلام الجاهل بالدين ذاك الذي قال في جنوب "لبنان": "سبحان الذي سخر لنا الغرب ليصنع لنا الطائرات والسيارات وينشغل في الأمور المادية الدنيوية فنتفرغ نحن للشؤون الروحية وحدها"· فهل هذا كلام رجل دين أم هو سلوك بنيوي لدى حركات التكفير التي تبرر وتحرض على إطلاق النار العشوائي على سائح أجنبي وذبح كاتب أمام أعين أطفاله؟ بأي ذنب يقتل مثل هؤلاء؟ إنه الإرهاب والقمع الذي يحمل كل الناس مسؤولية ما يراه أو يتخيله من ضرر أو فساد فيقتل عندئذ أيا كان من دون ذنب أو جريرة·· ولهذا فالأصولية تقوم على وهم مزدوج أولا: وهم الماضي المثالي، والمجتمع المتكامل أو الكامل ذلك أن الماضين قد انخرطوا في صناعة التاريخ بكل حدثيته ويومياته العادية المألوفة والمبتذلة وعاشوا الحياة بفضائلها، ومساوئها·· بعظمتها، وصغائرها·· بجمالها وبشاعاتها، أما الوهم الثاني فهو الادعاء بإمكان التطابق مع الأصل·· أي مع حدث عظيم وعهد ذهبي، ونص تأسيس، وهذا هو المستحيل عينه إذ الكائن هو حدوثه، واختلافه، وتحولاته، ثمة هوة انطولوجية تمنع التطابق مع الأصل ولهذا فإن حديثي التدين والمتأسلمين لا يحسون بترجمة تدينهم على الأرض إلا بالابتعاد عن الأصول، والإساءة إليها أو تشويهها بنسبة أقوالهم وأفعالهم إليها!

إذاً ليست المسألة سوءا أو خطأ في التطبيق، إنها بالأحرى مسألة نموذج لا يعمل إلا ليثبت فشله·· مسألة أفكار وأحكام وقواعد أصبحت غير قابلة للصرف على أرض الواقع إلا على هذا النحو من الاقتتال والتفتيت والتخريب والميكافيلية المدمرة·

وحين رأوا في القرن الماضي مع الاستعمار الإنجليزي والفرنسي رائحة الورد لخطاب عربي مثل الزوبعة يحفر طريقا جادا كالسهم عند بوابة القومية العربية ويصنع فضاءاته ويردم كل مغارات النفي والغربة فأخرج الزمن مثل الأستاذ أحمد لطفي السيد وحسين مروه وحافظ إبراهيم وإبراهيم المازني وأحمد شوقي، ومي زيادة وهدى شعراوي، وطه حسين·· ضوءا يأتي من الثقافة متكاملا والفنون والاقتصاد والسياسة·· إذاً هو الخصب الذي سيخرج هذه الأرض العربية من صرخة اليأس فجاء سياسي بريطاني مثل "ونلوب" والكتاب الأبيض لمجموعة من المنظرين الغربيين مع تحالف الإخوان المسلمين مع السرايا ليبقى أطفال هذه الأمة يتجرعون قشور المعرفة وإنشائية الجهل والتخلف وتكرار واجترار المعلومات وكلها تصب في نهاية الأمر في مجرى واحد يخدم استمرارية المنهج القائم، ويبقى هذا الطفل وهذا العالم العربي الحالم بالوحدة والتقدم والنهوض في آخر اليأس تنام في رقاد المنهج العقيم كما الهذيان· لقد اتحد الاستعمار الإنجليزي مع أصحاب الفكر القمعي والهاربين من صوت العقل وتعدد الآراء والحرية الشخصية والديمقراطية فانقضّت هذه على كل ما تحقق حتى في زمن الاستعمار من الثقافة وبداية إصلاح التعليم وحرية المرأة التي هزت بقدراتها العقلية والفنية والثقافية مكانة كثير من بعض الرجال وقاومت من أجل حريتها ولم تعد ترتعش لتلك القوافل السفيهة، وصارت تجادل كل أسماء الفضاء، وكل ذاكرة الزمان، وردمت مستنقع المزمن والخوف القديم بنسيج عيونها الكاشفة·· منهرة قناديل على الأرض العربية!!

هكذا تحالف الاستعمار وقوى التزمت ومصادرة الرأي الآخر بل والعقل كله، واستخدموا كل وسيلة متورقة وويل التخويف والحريق وفيض القهر وصار الخوف قلب حياتنا حتى أقاصي البكاء·· والمدى رصاصا·· وخيط دم·· بل لم تكتف بالحصار المتعدد الأساليب للعقول البريئة والمتقدة والنيرة والحرة والفكر بل تعداه الى إطفاء نور عقول الأطفال في المدارس، وكم هي مظلومة هذه القبرات التي تأتي إلينا مشجرة بالغناء·· فتخرج من مدارسنا ملطخة بالفراغ· وغسيل الدماغ استفرد فيها بعض الحواة في غرف مغلقة لسنوات طويلة لكي يودعوا فيها فكرة مميتة وقاحلة وهو التعصب الأعمى، وليسقط شهداء العقل والفكر المتفتح تحت هجمة الرصاص·· فمن الذي أدرج في خانة التهديد والتصفية هل هو ·· هادي العلوي؟ أم صادق جلال العظم؟ أم نصر حامد أبو زيد؟ أم أحمد البغدادي؟ أم فاطمة المرنيسي؟ أم ليلى العثمان؟ أم د· هلال الساير أم النائب عبدالله النيباري؟ أم د· عالية شعيب؟ أم نجيب محفوظ؟ وابتكارات الإرهاب الفكري بجبهتيه·· الجماعات المتأسلمة وأجهزة بعض الدول التي تحاول نفي التعددية·· جبهتان في خندق واحد وفي الخندق الآخر ليس سوى الذين لا يملكون أسلحة إلا أدمغتهم!!

وأعود إلى الطفولة الأجمل في حقول الإعمار، والأحلى التي تدب بين الأجيال على الأرض حيث البراءة والنقاء والجمال·· صورتنا الأولى في الطفولة سراجنا في مطلع النور أشجار قلوبنا المثمرة· عقول نهضتنا بالعلم والأخلاق والإيمان بخالقهم ووطنهم·· هم الذين سيعاودون مسيرة النعمة·

 

* * *

 

سيدة الندى·· يا هوى من ربيع·· نجلس الآن على الحافة القريبة من ألفيتنا·· أنت نسمة الصباح وفي المساء حتى تغشى عيوننا أبخرة الغبطة·· نبحث عن جسدينا في الظلام·· أتملّى من عينيك إذا حفر ضياؤهما دربا في أوردتي·· فاسترجع كل تاريخ حبنا مثل المطر الهانف بالأرض ربيعا وجسدي مثخن بالضياء النبيذي وكأن بحة صوتك نزفت من شفتي برعما أخضر فوق سترة الأرض وتحت جفن السماء·

�����
   

حادثة ديزني والتنازلات العربية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
"الشدّاخة":
د.مصطفى عباس معرفي
إجابات باطلة:
يحيى الربيعان
حقائق ديمغرافية!:
عامر ذياب التميمي
سميح القاسم وإرهاب التطبيع:
إسحق الشيخ يعقوب
نزوات السوق النفطية!:
سعاد المعجل
الطفولة وغسيل الدماغ:
خالد عبد العزيز السعد
نحن في حاجة إلى سياسة رادعة:
مطر سعيد المطر
العراق والكويت وشكراً للمزيدي:
حميد المالكي
الدورة الطارئة:
فوزية أبل