من القلة الذين كتبوا مذكراتهم الشخصية في منطقتنا الخليجية المرحوم أحمد البشر الرومي، أحد متنوري الكويت، ورائد من رواد نهضتها· وقد احتل البشر الشطر الأكبر من القرن الماضي، إذ ولد في العام 1905 وتوفي في العام 1982· ومذكراته، أو أوراقه الخاصة، كما سماها الدكتور يعقوب الغنيم ونشرها في كتاب أصدره مركز الدراسات الكويتية مشكوراً في العام 1997، تبتدئ من سبتمبر 1939 لتحتل شطراً كبيراً من الزمن أو بالأحرى من عمر الكاتب أحمد البشر· وهي على كل غير منتظمة وبها فترات طويلة يعزف فيها عن تسجيل ذكرياته· وتلك الذكريات أو الأوراق الخاصة تحوى أحداثاً حياتية، والملاحظ أنه كلما تقدم البشر في السن كلما مالت تلك الذكريات لتقتصر على وصف حالته الصحية وتردده على الأطباء طلباً للعلاج·

والمذكرات تحوى فضلاً عن أحواله الخاصة تسجيلاً لأحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية بل ومناخية للكويت، وهي تتضمن بين ثناياها رحلاته بالذات إلى الإمارات في أوائل الخمسينيات، واليمن في أول عهدها بالنظام الجمهوري في الستينيات، ورحلات أخرى· وهي تشكل مصدراً لمعلومات حية قلما نجدها في بطون كتب التاريخ، التي عادة ما تركز على الأحداث السياسية، أو على الأحداث والوقائع بشكل جامد دون الالتفات إلى نبضها الحي·وقد أفرد البشر كراساً لمتابعة القضية الفلسطينية، وقد ابتدأه من أحداث يوم السبت 24/4/1947 حتى 5/1/1949·

وثقافة البشر استقاها من مصدرين، كما يورد الغنيم: من التجربة الحياتية المباشرة، ومن القراءة التي كان شغوفاً بها حيث كان يقرأ بكل فن وعلم من علم الفلك إلى علم الحشرات!! وقد امتهن البشر مهنة التدريس فدرس في المدرسة الشرقية وانتخب أيضاً في مجلس المعارف في العام 1952، كما أنه ألف مجموعة من الكتب لعل أبرزها مقالات عن الكويت، وأصدر عدة دواوين لكبار شعراء الكويت·

ونختتم هذا المقال الأول السريع عن الأستاذ أحمد البشر الرومي بتلك النبوءة التي كتبها يوم 25/8/1968 (لاحظوا التاريخ) وهي نبوءة جديرة بالتأمل· يقول البشر:

بعد أن استيقظت في الخامسة عدت فنمت فحلمت أن العراق احتلت الكويت، وأن ضابطين بمكان ما جالسان مع أكثر من خمسين شخصاً من أعيان الكويت، وقد أرسلا بعض الجنود لشراء ساعات لهم· وكنت في أثناء الاحتلال هذا في الجليعة وقد جاء إلى هناك جندي وسألنا عما نفعله هنا، وأخبرنا بالاحتلال الذي لم أسمع به قبل وصول هذا الجندي·"!!

 alyusefi@hotmail.com