على الرغم من حجمنا السكاني الصغير، وامتدادنا الجغرافي المحدود، وخبرتنا السياسية المتواضعة· إلا أن كل ذلك لم يحدد ولم يقنن مساحتنا القتالية والدفاعية، ولم تقف تلك الضآلة الجغرافية عائقاً في وجه طموحاتنا الكبيرة والمتمثلة في بناء جيش قوي قادر على تأمين الدفاع والحماية لحدودنا الجغرافية، ولكرامتنا الوطنية·

وبالفعل فقد اخترق جيشنا الباسل كل تلك المعوقات، واستطاع أن يقدم صوراً مشرقة من نضال وبسالة أبناء الكويت المخلصين وذلك في أحرج أيام الوطن وأكثرها صعوبة وقسوة·

واستطاع أولئك الرجال من جيشنا الأبي أن يكبدوا جيش النظام العراقي خسائر وأن يتحركوا بسرعة وبتلقائية ونظام في يوم الثاني من أغسطس على الرغم من غياب القرار والأوامر يومها، وبالرغم من حالة الذهول والهلع والبغتة التي انتابت كل فرد فوق هذه الأرض·

لم تأت حركة أبناء الجيش الكويتي يوم الخميس الأسود بفعل أوامر أو قرارات، وإنما بفعل ذلك الإحساس العنيف من الحب والإيثار لوطن أعطاهم الكثير!! حيث انطلق العديد من ضباط الجيش بسياراتهم الخاصة للالتحاق بأي جهة أو منصة تمكنهم من التعبير عن ذلك الحب وتلك الوطنية!! وبالفعل فقد أسقط هؤلاء العديد من الطائرات الغازية على الرغم من غياب التكافؤ وانعدامه بين المتواجهين يومها!! وسقط منهم في الأسر من سقط واستشهد من صفوفهم من استشهد!!

اليوم يواجه مجموعة من بواسل جيشنا عدواً آخر مختلفاً في صورته عن جيش النظام العراقي!! ومتطابقاً في انعكاساته السلبية وآثاره النفسية والعملية مع أي عدو آخر!! فاليوم تمارس الواسطة والمحسوبية معركتها المؤسفة والشرسة داخل جدران الجيش، وتفترس معها طموحات وتطلعات وآمال أبناء الجيش وحماة الوطن!! وإذا كانت الواسطة مفتاحاً سحرياً يستعين به الكثير من المواطنين في معاملاتهم وأعمالهم، ويسخر لهم ما ليس لهم فيه حق!! فإن امتدادها إلى الجيش يُشكل خطراً كبيراً وتجاوزاً لا ينبغي أن نعبره دون وقفة ندعو من خلالها وزير الدفاع والعاملين في الوزارة أن يتداركوا ذلك، وأن يخلصوا بيت الجيش من تلك الآفة المزعجة!!

ولضمان فهم ووضوح أكثر، فإننا نضع هنا بعضاً من النقاط على حروف ضحايا الواسطة داخل مؤسسة الجيش!! حيث ترزح مجموعة من ضباط الجيش البواسل تحت كابوس الواسطة بعد أن تم استثناؤهم من حقهم في الترقية على الرغم من أنهم قد استوفوا شروط الترقية، لكن روتين الجيش الإداري أعفاهم منها وأنكرها عليهم فقط لأنهم لم يحصلوا على منصب رئيس فرع!! علماً بأن هؤلاء الضباط يتمتعون بخبرات فائقة وخدمات مشهوداً لها في حرب التحرير وما تلاها، بالإضافة إلى انخراطهم في دورات تدريبية مكثفة في دول عديدة كالولايات المتحدة، وانكلترا وفرنسا وألمانيا· ناهيك عن تقاريرهم السنوية الممتازة والمتميزة!! وقد دفع ذلك التجاهل لحقوق أولئك الضباط إلى استقالة وتقاعد مجموعة كبيرة منهم مشهود لأفرادها بالكفاءة والعطاء والوطنية·

لقد انتهكت الواسطة في الجيش حقوق مجموعة من القيادات الوسطى في الجيش وبالتحديد ضباط الدورة السابعة الذين لا يزالون بنفس الرتبة منذ تسعة أعوام، أما حين نُظر في أمرهم·· فقد تمت ترقية 12 ضابطاً فقط من جملة 38 ضابطاً يستحقون الترقية، ممن تفترسهم آلة الجيش الروتينية ومقاييس المعرفة والعلاقة الاجتماعية، وشروط الانتماء الضيقة!!

ولقد ضاعف من حزن ضباط الدفعة السابعة واستيائهم الأسلوب الذي تم فيه ترقية ضباط من الدورة الثامنة إلى رؤساء أفرع في سبيل ترقيتهم إلى رتبة عقيد، ثم ترقية ضباط من الدورة التاسعة وتعيينهم في مكتب الوزير كرؤساء أفرع، مع كل ما يعنيه ذلك من تجاهل لحقوق الدفعات السابقة والمستحقة للترقية!!

لقد تم تأهيل هؤلاء الضباط تأهيلاً مكنهم من اختراق طائرات العدو يوم الثاني من أغسطس وإلحاق خسائر بالغة بطائراته· واليوم تخترق هؤلاء الضباط آفة الواسطة، وتفتك بعزيمتهم معاول الظلم الوظيفي· وإذا كان الروتين والواسطة قد أفسدا الأداء والعمل في إدارات كثيرة في الدولة، فإن ذلك لا يجب أن يمتد إلى مؤسسة الجيش، ولا أن يكون في مقدمة مشاكل وهواجس أبناء الجيش البواسل· من الذين زرعوا الشوك في أقدام العدو، وبذروا الأمل في قلوبنا فلأبنائها وبأبنائها فقط تحيا الكويت وتسلم!! وبجيشها الباسل تُعلن الحرب على الواسطة، وترفض الإذعان والخضوع لتلك الآفة، التي ستزرع فينا هزيمة عجزت عنها جحافل نظام بغداد!! فمتى يعلن وزير الدفاع معركته الأولى ضد الواسطة في الجيش!!