| يرى المؤرخون أن الصراع والخلاف على السلطة هو أزمة إنسانية وبشرية تنشأ وتحدث في كل المجتمعات، ولا تختلف في ذلك أمم غربية أو عربية أو شرقية، فتاريخ أوروبا مليئ بصراعات وخلافات بل حتى حروب حركتها نزعة البشر للسلطة·
لكن بالنسبة لأوروبا يمكننا القول إن ثقافة الديمقراطية وفلسفة الحريات والحقوق نظمت عملية تداول السلطة بشكل صارم قطع الطريق على أي خلاف أو صراع سلطوي، بل إن أوروبا الآن أصبحت تحكمها مجالس وليس أفراد·
إلا أن المشكلة بالنسبة للعرب لا تزال قائمة والكثير من المؤرخين يرون أنها متجذرة في الإرث العربي والإسلامي، وأن عقلية الإدارة والسلطة العربية لم تتجاوز بعد خلاف سقيفة بني ساعدة التي شهدت أول خلاف سلطوي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ما الذي حدث في تلك السقيفة؟ هناك أكثر من رواية لأحداث السقيفة·· أهمها ما ورد في تاريخ الطبري الذي يقول: "قال عمر بن الخطاب إنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه، أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي بن أبي طالب والزبير ومن معهما· فقلت لأبي بكر: انطلق بنا الى إخواننا الأنصار· فانطلقنا حتى أتيناهم وكان الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وتركوا جنازة الرسول صلى الله عليه وسلم يغسله أهله· فقالوا: نولي هذا الأمر بعد محمد، سعد بن عبادة· وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض، فحمد الله وأثنى عليه وذكر سابقة الأنصار في الدين وفضيلتهم في الإسلام· حتى توفى الرسول وهو عنهم راض· وقال: استبدوا بهذا الأمر (الحكم) دون الناس، فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي، فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش؟ فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه· فعلامَ تنازعوننا هذا الأمر بعده؟ فقالت طائفة منهم (الأنصار): فإنا نقول إذاً·· منا أمير ومنكم أمير· فقال سعد بن عبادة: هذا أول الوهن!!
سمع أبو بكر وعمر بذلك·· فأسرعا الى السقيفة مع أبي عبيدة بن الجراح·
وفي السقيفة تكلم أبو بكر ثم ذكر سابقة المهاجرين في التصديق بالرسول دون جميع العرب·· وقال: "فهم أول من عبدالله في الأرض وآمن بالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم· ثم ذكر فضيلة الأنصار، وقال: "فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم·· فنحن الأمراء وأنتم الوزراء"·
ثم اشتد الخلاف بين عمر وأبو عبيدة·· وظهرت ولأول مرة في تاريخ الإسلام فرق معارضة·· إحداها كانت المعارضة الأنصارية·· وكان على رأسها الأمير الخزرجي "سعد بن عبادة" وهو من الذين رفضوا مبايعة أبي بكر!! كما خلف اجتماع السقيفة معارضة أخرى هي المعارضة الهاشمية، وقد كان بنو هاشم منشغلين بغسل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان الصراع على أشده حول خلافة أبي بكر بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة وحين سمع العباس وعلي التكبير في المسجد، وجاء البراء بن عازب ضاربا الباب على بني هاشم قائلا: "يا معشر بني هاشم، بويع أبو بكر"!
فقال بعضهم لبعض: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى بمحمد·
تفاصيل اجتماع "السقيفة" أكثر مما يبيح به حجم المقال هذا، لكن ومما لا شك فيه، أن الواقع العربي والإسلامي لا يزال بعد داخل السقيفة، ولم يغادرها قط منذ أكثر من أربعة عشر قرنا·
suad.m@taleea.com |
