من يتابع المشهد العراقي يفكر مليا كيف يمكن لرئيس الوزراء العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري المنتهية ولايته أن يتعامل مع التوجهات والكتل التي يخوض معها صراعاً سياسياً مريراً من أجل تشكيل الحكومة، فأنا شخصيا أرى أن ذلك أمر طبيعي لإنشاء دولة ديمقراطية، إذ إن إنشاءها ليس مفروشاً بالورد والحرير، بل بالشوك، وهذا هو حال الدول التي سبقت العراق بالديمقراطية والتطور إذ إنها خاضت صراعات عديدة بمراحل مختلفة حتى وصلت لما هي عليه الآن، ولنتذكر الزعيم الهندي المهاتما غاندي عندما أراد الاستقلال للهند من الاستعمار البريطاني، فأول مشكلة واجهته هي طلب محمد علي جناح انفصال باكستان عن الهند وهذا الأمر وافق عليه غاندي من أجل مصلحة الجميع ولتحقيق الاستقلال، إذ وجد أن جميع الطرق مسدودة للتوافق، وكانت موافقته سبباً في اغتياله من أحد المتطرفين الهندوس ولكن هذه هي السياسة فهي فن الممكن، ومن يده بالماء ليس كمن يده بالنار، وأرى أن السياسيين العراقيين وخاصة المخلصين منهم هم في امتحان صعب نتمنى أن يخرجوا منه بنجاح وتفوق ليكونوا قدوة لباقي الدول التي تريد إنشاء ديمقراطية حديثة ناجحة، والأمر المفرح أن الشعب العراقي وسياسييه المخلصين يواجهون هذا التحدي باستجابة إيجابية تنبئ عن مستقبل زاهر، وليست استجابة سلبية تؤدي للانهيار التدريجي، يقول المفكر الأمريكي ستيفن كوفي: "ليس هناك طريق مختصر للوصول إلى حياة أفضل، ولكن هناك ممر، والممر قائم على مبادئ حظيت بالاحترام عبر التاريخ" أي من أراد لمجتمعه التطور فعليه السير في ممر التطور وتطبيق المبادئ والسنن والقوانين التي تؤدي للتطور، وأفضل سبيل للنهوض بالدولة الديمقراطية الحديثة هو سيبيل السلم واللا عنف الذي انتهجه غاندي، وهناك من العراقيين من يطالب قادة الائتلاف العراقي الموحد بأن يكونوا أكثر قوة وعنفاً مع فرقائهم السياسيين، ولكن نذكرهم بسنة من سنن الكون وقانون نتائجه معروفة وهو أن العنف لا يولد إلا عنفا، وكما يقول المفكر الاسلامي مرتضى مطهري ما هو مضمونه: "ما جاء كرها لا يدوم" لذلك نلاحظ أن سياسة الائتلاف الحالية وهي غصن الزيتون تجاه بعض التيارات التي تستخدم العنف هي سياسة مستوحاة من القرآن الكريم وهي قول هابيل لقابيل: "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" فإنزال القصاص بالإرهابيين ومن يقف وراءهم أمر مطلوب ولكن يجب أن يكون ضمن القانون، فهو الذي ينشئ دولة ديمقراطية متطورة يعيش فيها برخاء وسلام وعدل، فالقتل على الشبه أمر يؤدي لسفك دماء الكثير من الأبرياء وهناك حكمة قانونية مفادها "أن تخرج 100 مدان من السجن بالخطأ أفضل من أن تدخل السجن بريئاً واحدا بالخطأ" فنحن نرى كيف يحصد الإرهاب مئات الأبرياء في العراق كل يوم، فهؤلاء مثواهم الجنة بإذن الله، ولكن المهم هو ضبط النفس من قبل أهالي الضحايا كي لا يقوموا هم بقتل بريء واحد عن طريق الخطأ وبحجة القصاص، وكي لا ينتهجوا سياسة العنف التي انتهجها اعداؤهم الإرهابيون ومن يؤويهم، وليتذكروا دائماً "أن للباطل جولة، وللحق دولة" ولتنظروا إلى ما آلت إليه سياسة غاندي، فقد أنتجت أكبر ديمقراطية بالعالم يعيش بها الجميع بسلام من مختلف الديانات والمذاهب والأعراق حتى وصل الأمر أن الأغلبية الهندوسية تجعل هنديا من الأقلية المسلمة رئيسا للهند وتجعل رئيس الوزراء من الأغلبية من خلال النار والحديد والقمع، ونأسف على حال باكستان التي طالب بها محمد علي جناح، فهي لم تنتج سوى العنف الطائفي والفقر والأحزاب المتطرفة دينيا وحكما عسكرياً وغيرها من مشاكل تعاني منها بلادهم، فهذه نتيجة باكستان التي طالبوا بها كي تكون للمسلمين فقط، وهذه نتيجة الهند التي طبق قادتها سياسة التعايش والمحبة والإخاء بين مختلف شرائح وفئات وديانات المجتمع الواحد فعلى كل شعب أراد التطور وبناء دولة الفضيلة والعدالة أن ينتهج نهج هابيل وسيحصد النتائج ولو بعد حين وليترك نهج قابيلالذي يتصور البعض أنه سيفوز من خلاله ولكن نذكره أنه فوز مؤقت سوف ينتج عنه مستقبلاً الفشل والدمار للمجتمع، وإليكم تجارب التاريخ وانظروا إلى سنن الذين من قبلكم وممارساتهم وليكونوا لكم عبرة قبل أن تكونوا أنتم عبرة بالفشل لمن بعدكم·