واجهت الكويت تحدياً ضخماً في أوائل نشأتها تمثل في تلك القوى المتعصبة التي كانت تريد إخضاعها متذرعة بكفر أهلها وما يترتب عليه من استحلال دماء أهلها وأموالهم وأعراضهم·

ولابد من الإشارة إلى أن الكويت كانت مجتمعاً تجارياً مدنياً مسالماً، انصرف أهلها إلى العمل والنشاط فخلقوا بجدهم ومهارتهم، في غضون عقود قليلة، ميناءً تجارياًً مزدهراً، في بيئة فقيرة طاردة·

كانت الكويت تعيش رعباً يومياً في تلك الفترة العصيبة من تاريخها، من ظهور فصائل جيش المتعصبين “أو من مجرد ذيوع الأنباء عن ظهورهم حقاً” من البصرة إلى الكويت عام 1792·

ومنعاً لأذى هؤلاء المتعصبين وغيرهم، لم يتورع هؤلاء المتعصبون من حرمانهم من مصادر المياه التي كانت تقع خارج السور، نحو ميل من المدينة، وربما في الشامية· يقول هذا الموظف “وكان أشد الأوقات رعباً إما قبيل الفجر وإما قبيل الغروب، فعندها كان المعينون لحراسة الآبار يرتدون جرياً إلى المدينة، وهم يحملون النبأ المفزع عن ظهور العدو· وعلى الفور تظهر النساء المحجبات على سطوح البيوت يولولن مرددات: يا ويلي يا ويلي” (د· أحمد أبو حاكمة، تاريخ الكويت، الكويت: مطبعة حكومة الكويت، 1970 ــ ج2، 94)·

ويصف لنا موظف من موظفي تلك الوكالة اسمه (رينود) هجوماً لأولئك المتعصبين البالغ عددهم بضعة آلاف قادمين على نحو ألفي جمل بقوله “إن الكثير من سكان القرين (الكويت) الذين كانوا قد تأخروا خارج المدينة وقعوا في الأسر فقتل الرجال منهم حالاً دون رحمة في حين اصطحب هؤلاء النساء معهم”· وقد شاهد هذا الشخص (رينود) كيف أن اثنين من هؤلاء المتعصبين “لحقا بأحد السكان المساكين على الشاطئ فضربه أحدهما بالسيف بينما ظل الآخر ينحره بحربته حتى وقع ميتاً ثم كيف انهما بعد ذلك غسلا يديهما في دمه وهما يعتقدان أنهما يكفران بذلك  عن ذنبهما (المرجع نفسه، ص 126 - 127)·

ولم ينقذ المدينة من هؤلاء الأشرار سوى أمر مدير الوكالة الإنجليزية “بانزال مدفعين وعشرين جندياً إنكليزياً من سفينة إنكليزية كانت راسية على الشاطئ ثم تم تجميع السكان وتنظيمهم خارج المدينة· وكان للمدفعين تأثير كبير إذ أمكن صد هجوم هؤلاء بل وملاحقتهم “ص127”·

تلك هي الأجواء التي عاشها أهل الكويت بسبب هؤلاء المتعصبين الذين كانوا يستبيحون أهلها ويسومونهم سوء العذاب باسم الدين، في الوقت الذي يشهد القاصي والداني على تدين أهل الكويت وتمسكهم بعقيدتهم، إذ كانت مساجدهم عامرة، تلك المساجد التي بنوها منذ بداية استقرارهم في هذه البقعة·

ولقد ظل أهل الكويت - بباديتهم وحاضرتهم - يعانون الأمرين من هؤلاء المتعصبين منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى بدايات القرن التاسع عشر· ثم لتتجدد تلك المعاناة مرة أخرى في بدايات القرن العشرين، في فصل جديد من استغلال الدين كُتبت فصوله بدماء الكويتيين وغيرهم من الأبرياء· وللحديث صلة·