استقال الدكتور يوسف الإبراهيم من مناصبه الوزارية واضعاً حداً للمهزلة التي اضطر لتحملها من أجل المساهمة في إصلاح ما يمكن إصلاحه في هذا البلد الخرب الذي وصل فيه الفساد حداً يعترف فيه رئيس الحكومة بأن وزير الدولة أخبره عن جريمة رشوة خلص بها الراشي معاملة بـ 50 دينارا وأبلغ الوزير أنه رشا ولم يفعل الوزير شيئاً سوى نقل الخبر إلى رئيسه· إن محاولات يوسف الإصلاحية كمن يدفن المحيط بملعقة· “الشق عود” والفساد نخر عظم الحكومة بعلم من فيها وربما برعايتهم فبعد تمكن نواب الخدمات وزيادة أعدادهم عن طريق صناديق (شنط) الدعم من أطراف في الحكومة وكذلك “صناديق” المعاملات، شاعت عملية شراء الذمم والأصوات على مرأى ومسمع من مباحث الداخلية الذين لم يجدوا أهم من أن يسترقوا السمع إلى قيادة المنبر ويوزعوا نسخا مفرغة عن شريط التسجيل إلى صحف بعينها·
ثم “تطور” الوضع حتى أصبح نواب الخدمات وزراء همهم إرضاء ناخبيهم لكسب الأصوات، وعاثوا في وزارات الدولة كما أرادوا دون رادع أو حسيب لا من رئاسة الحكومة ولا من مجلس الأمة الذي خذل العامة برعايته للفساد بعد إفشاله لاستجواب السيد القلاف·
فأي إصلاح يمكن ليوسف أو غيره من الوزراء والنواب تحقيقه في هكذا وضع؟ ومن يضمن أن يستمر الحد الأدنى من هذه الإصلاحات إذا ما أتى وزير آخر في الوزارة المقبلة وأزيح الإبراهيم عن الوزارات التي أصلح فيها، ولنا فيما حدث لمنظور الصبيح مثالا كافيا حيث قوض بالكامل بينما الصبيح عضو في مجلس الوزراء·
فالمشكلة لم تكن يوماً في قلة المصلحين في هذا البلد، بل كانت على الدوام بسبب فقدان النية للإصلاح، بل أجزم أن المطلوب أن تبقى "القرعة ترعى" يتنفع من "تحبه عين الحكومة" وتستباح أموالها العامة وأراضيها بحجة "المبادرات" و"براءات الاختراع" والمشاريع العجيبة التي لم تبق لا برا ولا بحرا إلا ووجدت فيه منفذاً للتنفيع، وكأن البلد شركة تتم تصفيتها بعد أن اقتربت من إشهار إفلاسها·
في هكذا وضع ومن دون وجود حكومة تحمل هم الإصلاح كشعار أساسي لها ومن دون أن تشكل هذه الحكومة بأسلوب ينتقى فيه الوزير بناء على قدراته وكفاءته لا على و"لائه" و"انتمائه"، حكومة لها برنامج تنموي واضح لا تخشى الإعلان عنه وتطبيقه مهما كانت تشكيلة مجلس الأمة، حكومة لا يصبح همها كسب ود النواب عن طريق فتح أبواب الوزراء للمتمصلحين منهم، بل تنفيذ برنامجها الوطني لإنقاذ الوطن من الهاوية التي أوصلتنا أو كادت توصلنا إليها حكومات متعاقبة على هذا المنوال، عندئذ يصبح دخول يوسف الإبراهيم وغيره من الإصلاحيين ضرورة، وعندها سيقف الناس احتراماً للحكومة ووزرائها، وسيهاب جانب الحكومة لا بسبب الخوف منها بل الخوف عليها، ولن يتمكن أحد من شتم وزير أمام رئيسه وعلى العلن ليكافأ بوعده بجلسة خاصة يجتمع بها مع الوزير الذي شتمه للتو وبحضور الرئيس!!! عندها سنقول ليوسف اعدل عن استقالتك، أما الآن فاعقلها وتوكل يا أبا حمد فوالله·· لا شيء يستحق ما تتحمله أنت وأسرتك، ونحن على ما نحن عليه· |