الغضبة المضرية التي تبديها الحكومة هذه الأيام تجاه تنظيم الانتخابات الفرعية، هذه الغضبة تأتي في محلها، وإن أتت متأخرة، ونتعشم أن تكون بادرة صفحة جديدة من الحكومة في عزمها على تطبيق القانون وفرض هيبته بعد تلكؤ دام وقتا طويلا· و"العين الحمرة" التي أظهرتها الحكومة تجاه التفريخ السرطاني للجان جمع التبرعات ولجان غسيل عقول الشباب، هذه العين هي التي كنا نطالب الحكومة منذ بداية الثمانينيات بإظهارها، فقد استفحل الشرر وطفح الكيل وأضحى الخطر محدقا بنا من الداخل قبل أن يأتينا من الخارج· ظاهر الحزم الحكومي بشارة خير ومطلع سعد واستمرار هذا الحزم قد يكون المدخل الى بداية التصحيح حكوميا، ومن ثم فرز الغث من السمين من مرشحي مجلس الأمة لتختار الأمة من ينسجمون مع تطلعاتها ومن هم أهل لتحمل تبعات المسؤولية التي تلقى على أعناقهم·

قانون تجريم الانتخابات الفرعية أحد إنجازات مجلس 1996 ومن باب عدم بخس الناس أشياءهم لا بد لنا من وقفة إكبار وإجلال للمجلس الذي تمكن من تمرير هذا القانون· لكن المفارقة أن بعض نواب مجلس 1996 تسابقوا في سعيهم المحموم للوصول الى كرسي النيابة بالمشاركة في هذه الفرعيات ومنهم من بجّل مواقفه الجريئة الشجاعة في المجلس المنحل· إن خرق النواب السابقين للقانون الذي وافق مجلسهم عليه دليل على ضعف موقفهم ودليل على عدم أهليتهم لتحمل مسؤولية النيابة، ومن هذا المنطلق فإن إعادة انتخابهم، لا سمح الله، سيكون خرقا للدستور وهدرا لأحكام القانون·

الحكومة في حزمها اليوم تجاه خرق القانون وهدر سيادة الدولة مطالبة ليس بإنهاء القضية من خلال تحويل منظمي الفرعيات للنيابة العامة، بل إن الأهم من ذلك إحالة المرشحين الذين شاركوا في هذه الفرعيات الى النيابة العامة وتجميد ترشيحهم لحين صدور الحكم القاطع بحقهم، وبخاصة أن الحكومة اليوم أخذت على عاتقها مهمة السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء· وما لم تتخذ الحكومة مثل هذا الإجراء فإن من الطبيعي، في حالة فوز هؤلاء المرشحين، أن يقوم المرشحون الآخرون بالطعن في الانتخابات من أساسها مما قد يدخلنا بعد الانتخابات مباشرة في أزمة سياسية  نحن في غنى عنها·