أسرار عجيبة وغريبة يزدحم بها المشهد العراقي، والمأساة المروعة التي يعيشها شعبنا في ظل أقسى أنواع القمع والإرهاب· إن آلاف الجرائم التي ارتكبها النظام لاتزال غامضة، وهي غالبا ما تنفذ بمواطنين تم اختطافهم بطريقة سرية بالغة وأصبح مصيرهم مجهولا منذ سنين·
كذلك هناك أساليب لا تزال مجهولة يمارسها النظام في تصفية خصومه السياسيين، وهذه وتلك يجب الكشف عنها وتوثيقها واطلاع الرأي العام عليها ومحاكمة ومعاقبة مرتكبيها·
وفي هذه الحلقات نعرض عددا من الأساليب في قتل المواطنين وهي تنشر لأول مرة حيث أمكن الحصول عليها مؤخرا·
قبل أكثر من ثمانية عشر عاما اتفق المواطن عبدالجبار ناصر مع الضابط المتقاعد بشير الطالب على إنشاء معمل صغير لإنتاج القناني والأنابيب البلاستيكية لأنه كان ذا خبرة في العمل التجاري والصناعي أهلته لأن يتسلم إدارة المعمل ومسؤوليته بينما اقتصر عمل اللواء بشير الطالب على المرور على المعمل كل شهر مرة أو مرتين لتفقده واستلام حصته من أرباحه·
وبعد أن وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها، توقف عمل الشركة مثلما توقف عمل بقية المعامل العراقية واكتفى المواطن عبدالجبار ناصر بتفقده بين فترة وأخرى لأعمال الصيانة والتنظيف وكان ذلك في مستهل عام 1991·
في صيف عام 1992 استدعي عبدالجبار ناصر للتحقيق في مديرية الأمن العامة وكان ذلك بمثابة مفاجأة صاعقة بالنسبة له:
تفاجأت حقا، أنا رجل بعيد عن السياسة ولا أفقه من أمور الحياة شيئا غير التجارة والعمل والإنتاج، لقد جُبلت على ذلك والآن كان استدعائي للأمن مفاجئا جدا بالنسبة لي وأحب استنتاج الأسباب:
بدأ التحقيق معي وتركز السؤال عن شريكي بشير الطالب: أحاديثه زواره· أصدقاؤه· أكدت لهم أن المعمل مغلق منذ عام وأن شريكي الطالب لا يتواجد فيه فلا مكتب له في المعمل وإنني المسؤول الفني والإداري عن المعمل والعمل وهو مجرد شريك تجاري يأتي في نهاية كل شهر ليقبض المقسوم ويرحل·
غير أن المحققين لم يكتفوا بذلك وأخذوا يهددوني ويتوعدونني ولكنهم في النهاية أفرجوا عني بعد أن وجدوني خالي اليدين مما يزعمون وحذروني من إخبار بشير الطالب بقضية استدعائي·
ولأن عبدالجبار ناصر كان مواطنا صادقا ووفيا لصداقته لشريكه فقد عمد الى إخباره عما حدث وطلب منه أن يتوخى الحذر في علاقاته وأحاديثه وزياراته لأصدقائه لأن عصابات الأمن العامة كانت تقف له بالمرصاد·
بعد مرور عام على هذا الحادث، اعتقل اللواء بشير الطالب على اعتبار أنه كان يخطط لمحاولة انقلابية وأنه يشتم صدام وعصابته ويستقبل في المعمل ضباطا متقاعدين واعتقل عبدالجبار ناصر بتهمة التعاون معه·
رفض ناصر تلك المزاعم كما قال في الإفادة التي أدلى بها سابقا وأنه بريء من كل التهم وأنه بعيد عن كل ذلك·
خلال فترة الاعتقال حاول ذوو المواطن عبدالجبار ناصر معرفة مصيره، فاستنجدوا بابن أخيه النقيب أحمد الضابط في الاستخبارات وطلبوا منه استثمار علاقاته ومركزه للسؤال عنه ومعرفة مصيره، وبدأ يجري الاتصالات· ثم عرف بأنه معتقل مع اللواء بشير الطالب بتهمة التآمر فما كان منه إلا أن دفع رسالة الى صابر الدوري رئيسه السابق، يناشده إطلاق سراح عمه مذكرا إياه بخدماته التي قدمها وكانت النتيجة أن اعتقلته مجموعة من ضباط المخابرات لتسلم جثته مع جثة عمه الى ذويهما بعد ثلاثة أيام مع أوامر مشددة بدفنهما سرا من دون القيام بمراسم التشييع؟!!· |