| احتفلت البشرية أخيرا بـ “اليوم العالمي لحرية الصحافة” والذي اتخذ كمناسبة دولية سنوية لتذكير المجتمع الدولي بحقوق الصحافيين والصحافة والكتاب في التعبير الحر ونشر المعلومات وحقائق الأحداث والقضايا بحرية كاملة من دون مصادرة أو تعديل أو تحوير ما دامت تتوخى الصدق أو الحياد الموضوعي خدمة للرأي العام وتأمين حقه في الحصول على تلك المعلومات والحقائق دونما نقصان أو تحريف سواء المتعلقة منها بالأحداث والقضايا المحلية أم المتعلقة بالأحداث والقضايا الدولية كالحروب والنزاعات الإقليمية والدولية وما يرتبط بها من صراعات ومواقف وسياسات فيما بين الدول والقوى العظمى··
ومن ثم فإن هذا اليوم يعد أيضا مناسبة لتأكيد حق الصحافيين والصحافة في الحماية من أي اضطهاد أو عدوان من أي سلطة كانت لممارستهم وتأديتهم رسالتهم الصحافية المعبرة عن ضمائرهم وقناعاتهم الصحافية·
ومن المؤكد أن الحرب الأمريكية على العراق التي انتهت بإسقاط النظام العراقي السابق بالقوة كانت حاضرة بقوة في هذه المناسبة على الصعيد العربي سواء فيما يتعلق بالمراسلين العرب والأجانب الذين ذهبوا ضحايا القصف الأمريكي وهم يؤدون رسالتهم الصحافية في قلب بغداد أو على خطوط النار، أم الذين تعرضوا للتضييق والتهديد والضرب من قبل إعلام النظام الشمولي السابق لتتماشى رسائلهم وتغطياتهم الصحافية المرسلة لصحفهم وقنواتهم الفضائية حسب مزاج ومشيئة ذلك النظام وهي حقائق كشفها بعض هؤلاء المراسلين في إحدى القنوات الفضائية بعد خروجهم من بغداد·
بيد أن التحديات التي تواجه الصحافة والصحافيين العرب ليست قاصرة على حدث دون آخر أو على نظام دون آخر وإن بدرجات متفاوتة في حجم هذه التحديات من نظام سياسي عربي الى آخر، فمما له دلالاته ومغزاه أنه قبل شهور قليلة من هذه المناسبة وتحديدا في أكتوبر الماضي نشرت منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريرا حول الترتيب العالمي لحرية الصحافة جاءت فيه الدول العربية جميعها خارج مراتب الخمسين دولة الأولى في الصحافة رغم أن هذه الدول العربية ربما تكون هي الأكثر ضجيجا إعلاميا عن حرية الصحافة وإنجازاتها الديمقراطية، في حين أن الدول الأربع الأولى في حرية الصحافة وجميعها من شمال أوروبا “فنلندا وأيسلاندا والنرويج وهولندا” هي الأقل ضجيجا في الإعلام العالمي بل الأقل قوة وحضورا في أخطبوط صناعة الرأي العالمي من وكالات أنباء وصحافة وفضائيات كما هي حال الدول الغربية العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة·
لقد ذكرنا مرارا في مناسبات مختلفة أن قوة أي صحيفة عربية ليست في حجمها أو إخراجها الفني بقدر ما هو في مدى استغلالها بأقصى قدر ممكن لهامش الحرية المتاح لفتح صفحاتها لمختلف الآراء والتيارات السائدة في المجتمع دونما وصاية لإدارة هذه الصحيفة العربية أو تلك على كتابها تحت أي مبرر كان·
ولعل هذه المناسبة الدولية هي مناسبة أيضا للتذكير وحض القائمين على مؤسسات الإعلام العربي بوجه عام والصحافة بوجه خاص على أهمية رفع وصاياهم السياسية والفكرية على ضمائر وقناعات الكتاب والحد من تدخلاتهم فيما ينبغي أن يكتبوا وما لا يكتبون قبل أن تشتكي الصحافة العربية نفسها من قوانين الصحافة في بلدانها أو اضطهاد سلطاتها لها!
وإذا كنا قد اعتدنا نحن التهكم عادة على تخصيص “يوم للبيئة” أو “يوم للصحة” أو “يوم للعمال” في حين أننا في سائر أيام السنة لا نكترث بهذه القضايا·· فلماذا لا تتضافر جهود كل الإعلاميين والكتاب والصحافيين العرب للضغط على السلطات ومسؤولي الصحافة العربية بأن نجعل هذا اليوم الأغر في هذه المناسبة الميمونة يوما بلا رقابة صحافية في حدود أقصى الهامش المتاح حتى لو كان يوما واحدا استثنائيا دون سائر الأيام؟! وساعتها سنقول إن هذا اليوم هو يوم عرس الصحافة الحقيقي·
وكل عام وأنتم بخير·
* كاتب بحريني |
