رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 8 ربيع الأول 1424هـ - 10 مايو 2003
العدد 1576

هــمــــوم مستحــقة!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

لا بد أن أبناء الجيل الذي ولد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة في الكثير من الدول العربية، قد تراكمت همومه لدرجة كبيرة خلال العقود الخمسة المنصرمة، ولا شك أن البعض من أبناء هذا الجيل قد تمتع في ظل أنظمة الحكم الشمولية واستفاد من خيرات الأوطان بالحق، وربما بالباطل، دون اكتراث لما حدث لشعوب المنطقة، كما أن عددا من هؤلاء قد هيمن على مقدرات الأمور في بلداننا، لكن يمكن للمرء أن يزعم بأن جل أبناء ذلك الجيل قد عانوا من الكبت والحرمان من الحرية وحق التعبير وكثير منهم دخلوا في غياهب السجون والمعتقلات، لأسباب تتعلق بمواقفهم السياسية والفكرية، يضاف الى ما سبق ذكره أن ذلك الجيل واجه استحقاقات الحرب الباردة والصراعات الأيديولوجية والاستقطاب السياسي خلال زمن اتسم بالشحن السياسي والتشدد الثقافي وغياب العقلانية وتسيد العواطف، وغني عن البيان أن القضية الفلسطينية التي هيمنت على الثقافة والسياسة في البلدان العربية بعد قيام إسرائيل في عام 1948 والتي أدت الى الحروب العربية الإسرائيلية في عام 1956 و1967 و1973 ثم عام 1982، عندما غزت القوات الإسرائيلية لبنان واحتلت بيروت لفترة من الزمن، هذه القضية والحروب التي تلت إنشاء دولة إسرائيل قد ساهمتا في تكوين الشخصية السياسية العربية وتحديد مواقفها، إن هذه الأحداث والحروب، وإن لم تستمر أي منها لفترات طويلة، قد عمقت من أزمة الحياة السياسية في البلدان العربية، خصوصا بلدان المشرق العربي، وبدلا من أن تؤدي هذه الأزمات العميقة الى إعادة النظر في تركيبة النظام السياسي العربي فإن ردود الفعل قد دفعت الى التأزيم وغياب دور المجتمع المدني حيث استولت نخب عسكرية أو حزبية على مقاليد السلطة في بلدان عربية رئيسية مثل سورية ومصر واليمن والعراق والجزائر وليبيا والسودان مما أدى الى غياب المشاركة الفعلية للمواطنين في تنظيم الحياة السياسية أو صناعة القرار، كذلك اندفاع بعض هذه النخب الى تبني الصخب الخطابي والاستقطاب دفع الأنظمة العربية الأخرى الى اتباع سياسات دفاعية عطلت من تطوير مجتمعاتها وزادت التوتر فيها، ولا ريب أن الأنظمة العربية التي عجزت عن إصلاح أوضاعها مثل تحسين الحياة المعيشية، وتفعيل النظام الاقتصادي وتبني عملية التنمية الإنسانية وتعزيز التطور التقني والسعي للتحضر والتمدين، هذا العجز دفع بعضها الى زيادة حدة العسكرة وإنفاق المال على التسلح، وأكثر من ذلك التورط في حروب أهلية أو مع دول الجوار، كما فعل نظام صدام حسين المقبور مع إيران ثم احتلاله الكويت ناهيك عن حروبه على الأكراد وغيرهم من عراقيين·

إن أبناء الجيل الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية قد تجاوزوا منتصف الخمسينات من أعمارهم، وربما شارف بعضهم على الستين، لكن كيف يفكر هؤلاء الآن بعد أن عاصروا الهزائم الشخصية والوطنية؟ وهل تمكنوا من إجراء مراجعة فكرية وثقافية وسياسية تمكنهم من المساهمة في إرساء قيم جديدة لأبناء الأجيال الشابة؟ يمكن لي أن أزعم أن معظمهم لم يفهم ما حدث في البلدان العربية ولم يتحرر من قيود الأفكار القديمة، والكثير منهم لا يملك الرؤية لصياغة مستقبل واعد، بل إنه حتى أولئك الذين دفعتهم ظروفهم الشخصية والعائلية للإقامة في بلدان متحضرة ومتطورة لم يستفيدوا من تجربة الإقامة، أو التوظف، في تلك البلدان لرؤية العالم بعيون ثاقبة، واستمروا في خيبتهم للفكر المتشدد والقيم المتحجرة، أكثر من ذلك أن عددا من الذين أقاموا في الغرب لم يستطيعوا أن يتحرروا من ثقافة “الغيتو” وظلوا بعيدين عن التفاعل مع مجتمعاتهم الجيدة، كما أنهم اعتمدوا التوجس والخشية مع تلك المجتمعات، كذلك لا بد أن الأزمات التي مرت على مدى العقدين المنصرمين قد زادت من ابتعاد هؤلاء عن التفاعل السياسي الإيجابي في تلك البلدان، ومن الأزمات الحرب العراقية الإيرانية والاحتلال العراقي للكويت واشتداد حدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر ثم أخيرا تحرير العراق·

كيف يمكن، إذا، أن نعيد صياغة العقل السياسي لهؤلاء الذين أصبحوا في أعمار الأجداد ليساهموا في تحديث مجتمعاتهم ويعينوا أحفادهم على التمتع بالحياة الإنسانية من دون أن يضطروا لمواجهة ذات المعاناة السياسية والثقافية؟ لا شك أن المهمة ستكون عسيرة خصوصا أن التقدم بالعمر يؤدي الى تصلب الشرايين الفكرية ويمعن بالتشدد والتصلب··· لكن هل نأمل أن يؤدي انهيار واحد من أشد الأنظمة العربية قسوة واستبدادا في “عودة الوعي” والبحث عن الذات وإنجاز مراجعة موضوعية لمختلف الأوضاع العربية بما يساهم في خلق فرص التنمية وتحسين إمكانات الاستقرار وتحديث المجتمعات؟ إذا كان الجيل الذي نشير إليه قد عانى من التصلب والتشدد فإن الأجيال الجديدة التي عاشت تحت امرة أبناء ذلك الجيل ومن هم أكبر سنا تعاني من مخاطر التطرف والإحساس بالعدمية والتهميش في ظل ظروف سياسية واقتصادية شديدة التعقيد، وها نحن نكتشف كل يوم مدى العبث الذي حدث لعقول الشباب والذين تم تأطير الكثير منهم في منظمات متطرفة مؤدلجة معادية للآخرين وتكفّر المواطنين، هؤلاء الشباب هم من أعمار الزهور حيث لا يتجاوزون الخامسة والثلاثين من أعمارهم، وهم يرون أن خلاصهم في محاربة الغرب وإقامة أنظمة شمولية لا تمت للعصر بصلة·

إن هذه الحقائق تتطلب البحث عن وسائل وأساليب لإنقاذ المجتمعات العربية من أزمتها الخانقة والتي إذا استمرت قد تجعل من العرب على حافة الحياة الإنسانية وتفقدهم القدرة على المساهمة في بناء الحضارة وتطويرها، وقد يكون من المفيد أن يسعى المخلصون من المخضرمين للتباحث والعمل على تبني برنامج استراتيجي للإصلاح في الدول العربية يتجاوز كل ما تم طرحه خلال السنوات الماضية، حيث إننا فقدنا زمنا مهما وتعطلت حياتنا، بصرف النظر عن درجة استهلاكنا لمنتجات الصناعة العصرية، هناك ضرورة للمواجهة مع الواقع والتي قد تتطلب الاستعانة بخبرات وإمكانات العالم المتقدم لمساعدتنا في صياغة معالم حياتنا، ومن ذلك صياغة نظام تعليمي حديث وتبني برامج إعلامية تعتمد على الحقائق وليس التزييف لإرضاء الرغبات الخاصة والتمنيات، كما أن التفاعل الثقافي مع مثقفي البلدان الصناعية والمتقدمة ربما يمكن من تعزيز فرص التفاهم والاستفادة من إمكاناتهم وخبراتهم، لكن ذلك يجب أن يحدث ونحن نحاور بعقول متفتحة وليست متأثرة بقيم ومعتقدات لم تعد واقعية، وربما يتمكن أبناء الأجيال المخضرمة من حمل لواء الإصلاح ليسعفوا الأجيال الجديدة على تجاوز واقع صعب تراكم على مدى عقود طويلة من الزمن·

tameemi@taleea.com  

�����
   

المجلس الجديد:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
عسكرة الجهاد:
سعاد المعجل
نحو وعي جديد:
يحيى الربيعان
وماذا بعد يا PIC:
المحامي نايف بدر العتيبي
شم النسيم:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
هــمــــوم مستحــقة!:
عامر ذياب التميمي
العراقيون والقصاص العادل:
د. محمد حسين اليوسفي
الحرب والإعـلام من يستخدم مـن؟:
سعود راشد العنزي
مخطط تهويد القدس:
عبدالله عيسى الموسوي
اعتماد "نجاح" المؤامرة الخارجية على·· عامل "الرضوخ" داخليًا!!:
د. جلال محمد آل رشيد
من برج الحياة بدأت الحياة السياسية في العراق:
حميد المالكي
يوم الصحافة العالمي:
رضي السماك