دولة فتية وغنية جدا، وهبها الله ثروة منذ أكثر من ستة وأربعين عاما، وحباها بموقع جغرافي متميز، وخصها بقوم مسالمين ومتمسكين بشرعيتهم، شعب صغير العدد ونقي السريرة، أقصي مطالبه لا تتعدى تطبيق الدستور والمشاركة الشعبية وتحقيق الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص "وبس يا وطن" ففي ذلك صلاح الأمة·· التي لا تطالب بغير الإصلاح·
دولة كالكويت غنية منذ نحو نصف قرن، ما الذي يمنعها من أن تكون نموذجية·· وقدوة حسنة لشقيقاتها؟ نحن لا نطلب منها أن تكون من الدول المتقدمة، لأنها لا يمكن أن تكون المبصر الوحيد في عالم العميان، ولكن يمكن أن تكون على الأقل قدوة حسنة لهؤلاء العميان، خصوصا وهي تمتلك مقومات القدرة على تحقيق "قدوة العميان"، فهي لا تعاني من آفة المجاعة وليست مهددة بكوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والسيول وغيرها·· كما أنها لا تشكو من وجود انفجار سكاني يهدد مشاريعنا التنموية ولا تعاني من حروب طائفية تهدد أمنها واستقرارها·· ولا تكابد من ديون والحمد للّه·
فإذا آمنا أن هذه الدولة والحمد للّه في معزل عن كل هذه المتاعب وهي بالتالي تعيش في بحبوحة من العيش تكفي لتحقيق دولة الرخاء، فلماذا لا ترتقي بذاتها إلى النجاح والمثالية ولو في عالم العميان وهي الدولة الصغيرة والمدللة في عالم المبصرين؟
لماذا تغرق في المتاعب وهي الدولة الفتية والمقتدرة؟ ولماذا يتعمد بعض من أقوامها خلق مشاكل لها من الداخل ليجعلوا شعبها في قلق وتذمر دائمين، ويلهث وراء قضايا تافهة تشغله عن مسيرته وتألقه نحو الحرية والديمقراطية؟!
إن جملة هذه المشاكل والمعاناة التي يشهدها يوميا شعبنا هي من صنع بعض أقوامنا·
فالقضية الأمنية وقضية المديونية وقضية الرشاوى وقضية التعليم وقضية المخدرات وقضايا السرقات وقضية الإقامات وقضية العمالة الوافدة وقضية الإعلام وقضية المرور وقضية الإسكان وقضية الشباب وليدة البارحة، إنها تراكم من الفشل وهي من صنع أيدي بعض أقوامنا·
وصدقوني إن هذه القضايا لن تحل بيد من حديد أو بيد من زبدة إنما تحل فقط باحترام الدستور وبالمشاركة والمراقبة الشعبية·· تلك المشاركة المبنية على الحرية والديمقراطية، وبروح الأسرة الواحدة القائمة على المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، هذا هو، المفتاح الوحيد لحل لهذه القضايا التي طفح كيلها والتي نسجتها أيدي بعضنا، فلا أمناء الشرطة ولا حتى جيوش العالم مجتمعة تستطيع أن تحل عقدنا الداخلية المستمدة من عقدنا العربية·
أعطونا الحرية والديمقراطية وأشركونا كشعب في القرارات ونحن نضمن حلا لكل هذه القضايا ونجعل من دولتنا قدوة حسنة·
أما إطلاق سياسة اليد الوحيدة التي يفهم الجميع أنها لن تصفق فهي لا تخلق إلا مزيدا من تصفية الحسابات بين ذوي الاتجاهات المختلفة، والمشاركة هنا لا تقتصر على القرارات السياسية فقط بل تشمل المشاركة في الإعلام الحكومي لأن التوعية السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية مهمة جدا للقضاء على الكثير من الجرائم والآفات الاجتماعية، والإعلام يلعب دورا كبيرا في حل الكثير من المعضلات الصعبة إذا أحسنا استغلاله، أما إذا كان الإعلام الحكومي المهيمن مجرد أغان وأفلام هابطة، فإن المجتمع في هذه الحالة سيأكل نفسه بنفسه·
yahya@taleea.com |