بالأمس القريب احتفلت المملكة العربية السعودية بمرور مئة عام على توحيدها، تحت راية جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله، ولا نريد أن تمر هذه المناسبة التاريخية من دون أن نشارك فيها·

إن ملحمة توحيد شبه الجزيرة العربية ليست بالحدث السهل، لو لم يكن وراءه رجال أشداء بقيادة سلطان نجد والحجاز عبدالعزيز آل سعود·· إننا في كل مرة نقرأ التاريخ المعاصر للمملكة العربية السعودية ينتابنا شيء من الدهشة ويزداد إعجابنا بموحد الجزيرة العربية بأطرافها المترامية بعمق امتداد الجهات الجغرافية الأربع·

وكلما نظرنا الى إمكانات ذلك الشاب اليافع الذي انتزع منه ملكه فنزح الى الكويت مع أبيه الإمام عبدالرحمن آل سعود، ونفر قليل من الاتباع واستضافهما الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت آنذاك، وبعد سنوات قليلة استطاع ذلك الشاب أن يعيد بناء أتباعه ومحبيه ويعد منهم سرية (السرية تتألف من 40 مقاتلا تقريبا) واحدة من الفرسان تزحف الى الرياض وعلى رأسها عبدالعزيز آل سعود لاسترداد ملكه وملك آبائه، وذلك في أواخر عام 1901 وبالفعل، لقد تحقق ما أراده من نصر كبير على خصمه واستعاد الرياض·

إن السرية التي قادها الشاب الملك العائد من الكويت الى الرياض لم تكن مجرد سرية مقاتلة، بل كانت مؤمنة بالله وبالوطن السليب الذي تقاتل من أجل استرداده، على الرغم من أن استرجاع نجد ليس بالأمر الهين·· والخصم ليس من السهل النيل منه والتغلب على فروسيته وشجاعته، خصوصا وهو ما برح يزهو بالفوز على فارس قويٍّ كان عرب الجزيرة وغيرهم يحسبون له ألف حساب قبل اللقاء معه·

لكن الملك عبدالعزيز بدهائه السياسي استطاع ليس فقط أن يتغلب على خصمه ويسترجع نجد، بل استطاع أن يستولي على الحجاز وعسير والمنطقة الشرقية، والأدهى من ذلك أنه بعد فترة قصيرة استطاع أن يوحد بين الكثير من القبائل العربية المتناحرة ويضمهم تحت رايته، في زمن كان الحكم فيه للأقوى والأدهى سياسيا خصوصا بعد سقوط الحكم العثماني·

كل هذه التداعيات حدثت خلال اثنين وخمسين عاما، عندما استطاع الملك عبدالعزيز أن يوحد الجزيرة العربية برمتها الجغرافية المترامية وبشتاتها القبلي، ففي 18 سبتمبر 1932، أصدر جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود مرسوما ملكيا برقم (2716) أمر فيه بتحويل اسم المملكة القديم الى هذا الاسم الجديد (المملكة العربية السعودية)، فأي نوع من الرجال هو؟·

ولا يملك اليوم المرء القارئ لتاريخ هذا الملك الجليل إلا أن يعجب به ويسلم بأن الأمة العربية اليوم بحاجة لمارد عربي آخر لتوحيد شتات الموقف العربي الرسمي·

لقد كان يرحمه الله، حلما ولا أظن أن الأحلام تتكرر، لكن إيماننا بأن الأرحام العربية قد تجود بالمستحيل، بعد رحيل الحلم الكبير الذي غاب عن واقعنا في 9 نوفمبر 1953·