رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 ديسمبر 2006
العدد 1755

ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

الحضور والصوت والكتابة·· ثلاث كلمات لا رابط يبدو بينها عند النظر للوهلة الأولى، ولكننا إن تفكرنا فيها، على ضوء التصور الموجود في أذهاننا عن طرق التواصل بين الناس في العقود الثلاثة الأخيرة على سبيل المثال، سنجد -تقريبًا- أن كل كلمة منها تمثل عقدًا· فعلى سبيل المثال، في عقد الثمانينيات من القرن الماضي كان الناس لا يزالون محافظين على الطرائق التقليدية في كل شيء، وفي معظم جوانب الحياة، ومن بينها على سبيل المثال طريقة التواصل التقليدية عند أجدادنا التي كانت تقوم على الزيارات الشخصية· وعلى الرغم من توافر الهواتف الأرضية الثابتة في ذلك الوقت، إلا أنني لا أزال أحتفظ بذاكرة جيدة عن الجانب الاجتماعي الذي كان ناشطًا وشديد الفعالية وله في نفوس أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم أهمية خاصة·

عندما كان تواصلنا في المناسبات المختلفة قائمًا على الحضور الفعلي من خلال الزيارات الشخصية، كان ذلك يمثل مستوى من التواصل يستطيع الشخص أن يعبر من خلاله عن أمور كثيرة غير فكرة الزيارة المجردة التي تعني واجب التواصل الإنساني فقط، مثل الاحترام والتقدير والحرص على إقامة الروابط على أساس قوي، بالإضافة لما يحمله الأشخاص من محبة تجعلهم يتكبدون عناء الزيارات التي قد تكون أحيانًا من منطقة إلى منطقة أخرى، وربما تكون من بلد إلى بلد آخر·

لقد كان الحضور الشخصي بالزيارة يعني تشريفًا خاصًا لم يتنازل عنه المجتمع في ذلك الوقت، ولم يكن الاتصال الهاتفي يغني عن الزيارة الشخصية سواء في المناسبات، أو في الأيام العادية، فظلت السيادة آنذاك للحضور صوتًا وصورة·

وفي عقد التسعينيات من القرن الماضي، انتشرت الهواتف النقالة إلى جانب الهواتف الأرضية الثابتة، وكان لهذا الانتشار أكبر الأثر في تغيير طريقة التواصل بين الناس، من الحضور الفعلي إلى الاتصال الهاتفي· ولكن ظلّت الزيارات تحظى باهتمام جيد حتى ذلك الوقت، وتأخذ نصيبًا مقبولا من إجمالي واجباتنا والتزاماتنا، على الرغم من نشاط ظاهرة الاتصالات الهاتفية وبدء الاعتماد عليها، أي أن السيادة قد انتقلت على نحو تدريجي خلال ذلك العقد من الحضور الشخصي المتمثل في كلية الشخص بصوته وصورته إلى الاكتفاء بصوته وكلامه فقط دون الصورة·

وقد كان لهذا التغير إيجابياته؛ فتوافر وسائل الاتصال المختلفة، كالبرقيات ثم الهواتف يسّر تواصل الناس، خصوصًا الذين تفصل بينهم مسافات طويلة جدا، ووجدوا فيها وسيلة توفر الوقت والجهد، بحيث تكون كفيلة بإشعار جميع الأطراف باحترام بعضهم لبعض، وتقديرهم، ومحبتهم، والبعيد الذي يحرص على الاتصال في المناسبات السعيدة والحزينة كمن حضر بنفسه، وإن كان الثاني يفْضُل الأول في أنه حضر شخصيًا والأول اكتفى بالاتصال، ولكن الاتصال لا ينقص من قدره، بل يظل قدره محفوظًا، وتُلتَمَس له عدة أعذار في عدم حضوره بنفسه·

كما أن الاتصالات الهاتفية خلال الأيام العادية التي تخلو من المناسبات بأنواعها المختلفة تعدّ دليلا على اهتمام الطرف المتصِل بالطرف المتصّل به، ونوعًا من أنواع صلة الرحم في هذا العصر، وقد رضينا جميعًا بهذه الطريقة في تواصلنا مع أرحامنا، أو رضى بها معظمنا، لما فيها من إحساس حي بصوت المتكلم الذي يغني أحيانًا عن حضوره، وبطريقة الكلام التي تشعر الطرف الآخر بالمحبة والاهتمام، وبعمق الرغبة الذاتية بالاتصال، وتحديد ما إذا كان الاتصال نابعًا من القلب أو كان من باب أداء الواجب فقط·

وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، بدأ الاتجاه نحو الكتابة، والاعتماد على الوسائل التي تتيح التواصل ولكن ضمن ظروف معينة، لا يلتزم فيها الإنسان بأي شيء سوى الكتابة، ولا يهم كيف يكتب، وبأي نفسية، وهل يكتب لأنه يريد ذلك، أو لأنه يجب عليه القيام بذلك· وقد ساعد على انتشار الألفة بأجواء الكتابة شيوع استخدام البريد الإلكتروني أولا، ثم الكتابة من خلال غرف الدردشة المتوافرة على الشبكة، ثم شيوع استخدام الهواتف النقالة التي تطورت من مجرد وسيلة اتصال واستقبال للمكالمات إلى كتابة الرسائل النصية، لتصبح السيادة للكتابة، أي لمجرد رصف الحروف، دون المشاعر، فأصبحنا لا نرى صورة الشخص، ولا نسمع صوته، ولا يصلنا منه سوى بقايا حروفه، لتنتقل السيادة بذلك من الحضور الذي يشمل الصورة والصوت إلى الصوت الذي ينقل الكلام والعاطفة، إلى الكتابة التي تنقل كلامًا يفتقد الكثير مما كان الحضور الشخصي ثم الصوت ينقلانه معهما·

لقد أصبح تواصلنا الآن كتابيًا في أغلبه، إما عن طريق البريد الإلكتروني، أو عن طريق رسائل الهاتف النقال، وقد أصبح الجميع يلجأ إلى هذه الطريقة بلا استثناء، بين الأصدقاء والأصحاب، وبين الأخوة، وبين الوالدين والأبناء، وأحيانًا تستَعَمَل على بعض المستويات الرسمية، كالإعلام عن موعد اجتماع مثلاً، كما أصبحت تستخدم تجاريًا على نحو دعائي للترويج لبعض المنتجات أو للإعلام بمواعيد العروض التجارية أو التخفيضات التي تكون مواسمها خصبة بالرسائل النصية التي تصل لمن يرغب ومن لا يرغب بها·

ولا يهمني في هذا السياق كثيرًا أن أتوقف عند المستويات المختلفة التي تُستعمَل بها الرسائل النصية، أو رسائل البريد الإلكتروني، والذي يعنيني من جملة هذه المستويات هو مستوى التواصل الاجتماعي عمومًا؛ فقد بدأنا نفقد حرارة إحساسنا ببعضنا من خلال اكتفائنا بالتواصل عبر هذه الوسيلة التي تخلو من المشاعر والأحاسيس·

وبعيدًا عن اتخاذ أي موقف تجاه هذه الوسيلة التي أصبحت جزءًا من حياتنا، وأصبحنا نعتمد عليها جدًا في تسيير كثير من تفاصيل أيامنا وشؤوننا، فإنني أجد أن الناس ينقسمون تجاهها انقسامات عدة؛ فمنهم من يراها وسيلة مناسبة وكافية للتواصل بين الناس الذين تربطهم ببعضهم علاقات عامة غير شخصية، ولكنها لا تتضمن أي خصوصية لذلك فهي تصلح للتواصل معهم، ولكنها لا تصلح للتواصل مع الأشخاص المقرّبين الذين يرتبطون ببعضهم بعلاقات خاصة تحتاج إلى مستوى أكثر خصوصية من مستوى الرسائل النصية·

ومنهم من يرى العكس، وذلك أنها وسيلة تصلح جدا للتواصل مع الأشخاص المقربين الذين يمكن أن يُكتَب لهم في أي وقت، بتحرر تام أو شبه تام من التقاليد الكتابية الرسمية، ولكنها لا تصلح للتواصل مع غيرهم، لأنها تتجاوز حدود التعارف العام، وتُشعرهم بأنهم أكثر قربًا مما هم عليه في الواقع·

وبين هؤلاء وهؤلاء يقف آخرون يرون أن الرسائل النصية وسيلة غير مختصة بفئة دون فئة من الناس، والموقف هو الذي يحدد مدى صلاحية اللجوء إليها· والدليل على ذلك في رأيهم هو أننا نراوح في استخدامنا لها من موقف لآخر، وأيضًا من شخص لآخر، ومن وقت لآخر·

ومهما قيل عن الرسائل النصية بوصفها وسيلة تواصل أفرزها هذا العصر الإلكتروني، فإن كل ما قيل وما يُقال وما سيُقال لن يخفف من الاعتماد المتزايد عليها في التواصل، وستكون علامة مميزة خاصة بعصر يسير بإيقاع سريع في كل خطوة من خطواته وفي كل الاتجاهات، ومن الطبيعي أن يتأثر مستوى التواصل الإنساني بهذا الجو الإلكتروني الطاغي، وأن يكون له منه نصيب، حتى أصبحت النسبة الكبرى من أفراد المجتمع تعتمدها كوسيلة التواصل الأولى التي تمدّ الجسور بين الأطراف المختلفة بسهولة·

جامعة الإمارات

 sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

لبنان بين موناكو.. وإيران!!:
سعاد المعجل
نكران الهزيمة:
د· منى البحر
إلى حبيبتي..:
على محمود خاجه
رقابة الهيئة على تسجيل الأعضاء في الأندية :
المحامي نايف بدر العتيبي
المشاركة رؤية وطنية :
د. محمد عبدالله المطوع
نساء البحرين وواقع التحديات الكبرى(1):
بدر عبدالمـلـك*
الخطيب طريح الفراش:
د. محمد حسين اليوسفي
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة:
د. فاطمة البريكي
آراء الشارع الإسرائيلي:
عبدالله عيسى الموسوي
مَنْ لأبنائنا؟:
د. لطيفة النجار
الإسلامويون "وشعبولا":
خالد عيد العنزي*
لماذا..؟ يا رئيس الحكومة ويا رئيس البرلمان؟:
محمد جوهر حيات
شتان ما بين الكويت وسنغافورة:
يوسف الكندري