رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 يونيو 2007
العدد 1778

القارئة الصغيرة
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

جميل أن يجد صاحب القلم عقولا غضة تقبل على كتاباته، وتتابعها مبدية آراءها فيها، ومتفاعلة مع مضامينها، بل تتجاوز هذا إلى درجة اقتراح موضوع ما ليكتب فيه صاحب القلم الذي تشعر أنه يعبر عنها·

هذا ما سعدتُ به منذ عدة أشهر، ولا يزال إحساسي بهذه السعادة مستمرًا، منذ أن كتبت مقالة -قبل شهور- عن الغش في الامتحانات المدرسية والجامعية، وهو السلوك الذي يمارسه بعض أبنائنا باستخفاف واستهتار في الصغر، فيتجذر في نفوسهم ويصبح سلوكًا طبيعيًا لديهم في الكِبَر·

بعد ذلك المقال تواصلت معي طالبة في المرحلة الثانوية في إحدى مدارس الدولة، ولا تزال على تواصلها الجميل حتى اليوم على الرغم من تقصيري الشديد معها، ومعنى هذا أنها تتابع الصحف والجرائد، وتقرأ باهتمام، ثم تتواصل مع الكتّاب، أو مع بعض الكتّاب، وتدلي بدلوها في المواضيع التي تقرؤها، بل وتقترح أحيانًا المواضيع في بعض الظروف والمناسبات·

وقد اقترحت عليّ قارئتي الصغيرة في رسالتها الأخيرة أن أكتب مقالي القادم عن الغشّ في الامتحانات، أو عن أي موضوع يتعلق بهذه الفترة، ولكنني للأسف قرأت رسالتها بعد أن كتبتُ مقالة الأسبوع الماضي، وحين تُنشَر هذه المقالة تكون الامتحانات قد انتهت في مدارسنا وجامعاتنا، إلا أنني سعدتُ كثيرًا بهذه القارئة، وبتواصلها الجميل، وفكرت كثيرًا فيها خلال اليومين السابقين أكثر مما فكرت فيها خلال الشهور الماضية كلها، لأنني شعرتُ أنها تمثل نموذجًا مختلفًا عن الصورة الموجودة في ذهني -على الأقل- عن طلابنا وطالباتنا·

قارئتي الصغيرة -على الرغم من كونها لا تزال طالبة على مقاعد الصفوف الثانوية- قدمت لي نموذجًا مشرفًا للطالبة الإماراتية التي تهتم بدراستها، وهذا واضح جدًا من مضامين رسائلها الإلكترونية التي تمتعني بها بين حين وآخر، وهي تهتم في الوقت ذاته بمتابعة ما تحمله إليها الصحف من جديد يوميًا، وقد لا تكون متابعتها للصحف، أو قراءتها لمقالات بعض الكتّاب، دليلا على أنها تهوى القراءة، وأنها رفيقة الكتب التي تخرج عن سياق المقررات المدرسية، لكنني أشعر بتفاؤل شديد حيال هذه القارئة التي لم تنقطع عن الكتابة إليّ إلا في أوقات انشغالها بالامتحانات فقط·

لقد أثار تواصل هذه الطالبة معي في نفسي سؤالا مهمًا، وهو: كم عدد قراء الصحف المحلية من فئة الطلبة والطالبات في المرحلة الثانوية أو الجامعية حتى؟ ليس لديّ إحصائيات دقيقة حول هذا، ولكني أعتقد أن شريحة كبيرة من طلابنا وطالباتنا لا تعرف أسماء الجرائد المحلية في الدولة، لأنهم لا يقرؤونها، وبالتالي لا يعرفون أسماءها أو أي شيء عنها· وعدم امتلاكهم لعادة قراءة الصحف اليومية يمثل نقصًا كبيرًا في معرفتهم العامة، لأن الصحيفة اليومية تنقل الأخبار والأحداث أولا بأول، وهي وسيلة مهمة من وسائل التواصل مع المجتمع المحلي ومع أخبار العالم الخارجي·

لا يعني هذا إنكار دور وسائل الإعلام الأخرى، ولا يستطيع أحد أن ينكر دور الإعلام المسموع والمرئي في ربط الأفراد في مختلف دول العالم بكل ما يحدث في أي مكان في العالم أيضًا، ولا يختلف اثنان على الدور التوعوي والتثقيفي الذي تقوم به وسائل الإعلام جميعها، المقروء والمسموع والمرئي منها، ولكن توجد عدة أمور مهمة، يجب أخذها في الاعتبار عند مقارنة الإعلام المقروء بغيره، وهذه الأمور هي التي تجعلني -وربما تجعل غيري أيضًا- يشعر بسعادة غامرة حين يرى فتاة أو فتى في مقتبل العمر يقبل على الإعلام المقروء، ويشبع من خلاله حاجته في التعرف إلى ما يستجد من أمور وأحداث على الصعد المختلفة محليًا وعربيًا ودوليًا، أكثر من سعادتي برؤية مئات الفتية والفتيات أمام جهاز التلفزيون أو حول جهاز الراديو·

من تلك الأمور على سبيل المثال أن الإعلام المقروء يعتمد اعتمادًا رئيسيًا على اللغة العربية الفصحى، حتى إن كانت تُستخدَم أحيانًا في مستواها المتوسط، إلا أنها لا تزال باقية على امتداد صفحات الإعلام المقروء، وهذا يعزز حضورها في الحياة اليومية لأفراد المجتمع· أما الإعلام المرئي والمسموع فقد أصبحت الفصحى مقتصرة فيهما على نشرات الأخبار في معظم المحطات، ويمكن أن يتوقع المتابع للتحول السريع من استخدام اللغة العربية الفصحى إلى استخدام العاميات الدارجة في مختلف بلدان الوطن العربي في معظم مساحات البث الإذاعي والتلفزيوني في السنوات الأخيرة أن تتحول أيضًا نشرة الأخبار فيهما إلى العامية خلال فترة زمنية قصيرة، إن لم تكن قد بدأت في التحول بالفعل إليها في بعض المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية·

ومن الأمور التي تجعل إقبال الشباب على الإعلام المقروء أكثر إسعادًا من إقبالهم على المسموع منه والمرئي أن مغريات الإعلام المرئي والمسموع كثيرة، والقدرة على التقاط نافعه وسمينه، وغضّ الطرف عن زبده وغثّه، لا تتوافر لدى أغلبية الشباب الذين ينساقون سريعًا خلف المغريات الكثيرة التي يقدمها شطر كبير من الإعلام المرئي والمسموع، فينجذبون إليها ويتركون برامج أخرى قد تعود عليهم بالنفع والفائدة· وهذا الجانب يقلّ كثيرًا في الإعلام المقروء، إذ تظل مغرياته محدودة أمام مغريات الراديو والتلفزيون، وتظل خياراته محدودة أيضًا، ولهذا لا يقبل على الإعلام المقروء إلا من يشعر برغبة حقيقية ذاتية في الحصول على أمر لا توفره له الوسائل الأخرى الموجودة في معظم غرف المنازل، وفي السيارات، وفي المجمعات التجارية، وفي المقاهي، وفي أي اتجاه قلّب نظره سيجده حوله في شاشات تجبر العين على النظر إليها من كبر حجمها·

ومن جهة أخرى، يعزز الإعلام المقروء عادة القراءة لدى النشء، وهي مطلب غالٍ نتمناه ونسعى إليه· ولأن الصحيفة مقترنة بفعل القراءة نجد شبابنا وشاباتنا يقبلون على الإعلام المسموع والمرئي، وينفرون -دون مبالغة- من الإعلام المقروء، ما عدا بعض المجلات التي تعتمد على الصورة أكثر من اعتمادها على الكلمة، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع، وذلك بسبب الحاجز النفسي القائم بينهم وبين القراءة·

لقد كسرت قارئتي الصغيرة هذا الحاجز، وهي تؤكد لي رسالة بعد رسالة أنها متابعة جيدة لما يُكتب في الصحف، وهذا يدل على حرصها على بناء نفسها بالطريقة التي ترى أنها صحيحة· كما أن اهتمامَ هذه القارئة بالمقالات الاجتماعية يعبر عن اهتمامها بقضايا مجتمعها على الرغم من حداثة سنها، وحرصُها على أن يكون لها رأي فيما تقرؤه -وهو يتناول غالبًا ما تراه وتسمعه وتعيشه يوميًا- بالتواصل مع الكتّاب، دليلٌ على رغبتها في أن يكون لها صوت فاعل ولو بقدر بسيط فيمن حولها·

وإذا كان صاحب القلم يساهم في بناء عقل غضّ، ويساعده في رسم مساره الفكري، ويحد منه تفاعلا سواء أكان سلبيًا أم إيجابيًا، فهذا كافٍ جدًا لأن يشعر بأن لكل ما يكتبه قيمة· وأعتقد أن صاحب أي قلم جاد سيشعر بأن روحه تحلق في فضاء عالٍ وهو يجد صدى كلماته وآرائه يتردد في نفوس لا تزال قيد التشكل والبناء·

* جامعة الإمارات

 sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

نظرة في المواجهة بين فتح الإسلام والحكومتين اللبنانية والأمريكية:
د. نسرين مراد
منذورون للموت:
د. لطيفة النجار
عندما يرتفع السافل:
فهد راشد المطيري
الشيخ "المودرن"!:
سعاد المعجل
أي تقاليد... وأية عادات؟!:
د. بهيجة بهبهاني
برز الإخونجي:
على محمود خاجه
يا شيخ ناصر إني لك من الناصحين:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الاستقالة أكرم لك:
محمد جوهر حيات
إعصار غونو:
المهندس محمد فهد الظفيري
فرق تسد...
بقناع جديد:
فيصل عبدالله عبدالنبي
التنسيق مع وقف التنفيذ:
أحمد سعود المطرود
العودة إلى توصيات "بيكر - هاملتون":
باقر عبدالرضا جراغ
أوهام السلام:
عبدالله عيسى الموسوي
المبدع ذلك المجهول:
ياسر سعيد حارب
القارئة الصغيرة:
د. فاطمة البريكي
كيف يكون الدين أفيونا للشعوب؟:
علي عبيد
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو:
الدكتور محمد سلمان العبودي