رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 يناير 2007
العدد 1757

كأنني لم أعرفه من قبل
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

كثيرًا ما نلتقي بأشخاص مختلفين تجمعنا بهم معرفة على أحد المستويات: قرابة، صداقة، زمالة، ··إلخ، ثم نفترق، ثم نعود ونجتمع مرة أخرى، على نحو يؤكد لنا أن خط سير الحياة قد رُسم بطريقة دائرية، تجعلنا دائمًا نعود إلى نقاط كنّا قد مررنا عليها من قبل، سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر، ولكن إحساس العودة الذي يُفتَرَض أن يكون إيجابيًا، مفعمًا بالحب، والشوق، والرغبة في الاجتماع واللقاء وبعث الحياة في مناطق من ذاكرتنا ووجداننا كادت أن تصبح ميتة، لا يكون مؤشره دائمًا على اللون الأزرق، لون الجانب الإيجابي، ولا يظل محافظًا على تلك الشعلة التي يشعر بها الإنسان عندما يمر بلحظات عودة كهذه، وكثيرًا ما يحدث أن تخبو تلك الشعلة، نتيجة تفاجؤ أحد الطرفين بالآخر، الناتج عن إحساسه بأنه يرى في الآخر وجهًا لم يكن قد رآه من قبل، إما لأنه كان مصابًا بعمى جزئي، بحيث كان يرى جزءًا من الوجه ويعمى عن جزء آخر صارت له الغلبة خلال السنوات التي ابتعد فيها عنه، فيشعر الآن أنه يراه لأول مرة·

أو لأنه كان مصابًا بعمى كلي، فلم يرَ الوجه الحقيقي فعلاً، إنما رأى ما تخيله عنه فقط، وعندما أبصر فجأة، اكتشف أنه كان أعمى حقًا·

أو لأنه كان يرى الوجه الحقيقي فعلاً، لكن هذا الوجه قد تغير، وتغيرت ملامحه بتأثير عوامل مختلفة، وهو أمر طبيعي؛ فالملامح الخارجية تتغير خلال السنوات، ومن الطبيعي أن يمتد التغيير ليصل إلى الملامح الداخلية أيضًا، إما أن يجملها، أو أن يشوهها· كل هذه الاحتمالات تقودنا في النهاية إلى إقرار حقيقةِ أننا قد نشعر أثناء لقاء شخص ما بعد فراق عدة سنوات، أو عدة عقود بعدد من علامات تعجبٍ واستفهامٍ يفوق العدّ وهو يتقافز أمام ناظرينا، ليعزز السؤال الذي سيظل يلازمنا من بداية اللقاء إلى ما بعد نهايته بكثير: هل هذا الشخص الذي كنت أعرفه من قبل!؛ فكم مرة وقف أحدنا أمام شخص من معارفه، أو أصدقائه، وسؤال واحد يدور من حوله، وينتقل من بين أيمانه وشمائله دون أن يستطيع إيقاف حركته واضطرابه في نفسه، وهو: هل هذا هو (فلان) الذي أعرفه من قبل؟! وكم مرة ردد أحدنا بينه وبين نفسه عبارة العنوان: كأنني لم أعرفه من قبل، وهو يخوض في حوار مع شخص (كان) يعرفه، وفجأة وجده غريبًا عنه، ووجد نفسه منكرةً له!

ولا يختص هذا الإحساس بالأشخاص، بل إنه ينسحب كذلك على المكان؛ فكثير من الأماكن التي نرحل عنها، ثم نعود بعد طول غياب وفراق، نجد أنفسنا غريبين عنها، ونجدها كذلك غريبة عنا، وكأن الحياة لا ترضى إلا بأن نبقى أسيري الأشخاص والأماكن، مشدودين لها بوثاق، كي لا نتعرض للموقف الذي نوجه فيه لأنفسنا سؤالا يظل مستعصيًا على الإجابة: هل هذا (الشخص) أو (المكان) الذي كنت أعرفه من قبل؟

لا يبقى شيء على حاله، وليس من طبيعة الأشياء ولا الأشخاص ولا الأماكن الثبات على حال واحدة، بل الطبيعي هو أن تطرأ التغيرات المختلفة على كل شيء، كسمة من سمات الحياة التي تعني التجدد والتطور والتغير·

ولكن السؤال الذي يبدو أصعب بمراحل من هذا السؤال، -وهو على كل حال لا يطرأ على ذهن الكثيرين، لذلك لا يشعر بعذابه إلا قلة قليلة من الناس- هو: من الذي تغير حقيقة، الآخرون، أم أنا الذي تغيرت؟ هل تغيرت ملامح الشخص، أو ملامح المكان، أو تغيرت نظرتي أنا لما حولي؟

ولعل صعوبة مثل هذا السؤال تكمن في أن الإنسان المتسائل نفسه لا يستطيع أن يقدم إجابته، وعليه أن يستعين بالآخرين، بمن حوله، ليمدّوه بالإجابة التي ستتباين وتتفاوت من شخص لآخر، بحسب درجات القرب والبعد، والفهم وعدم الفهم، والرضا وعدم الرضا، وعوامل أخرى كثيرة·

هل يدرك أحدنا تغيره، وهل يدرك اختلاف زاوية نظره للأشياء باختلاف محطاته الحياتية التي يقف فيها؟ إن كانت الإجابة نعم فهذا يعني أننا لن نحمّل الأشخاص والأماكن من حولنا مسؤولية إحساسنا بالغربة عند العودة إليهم بعد طول غياب، وسنضع في أذهاننا تغيراتنا الشخصية بحيث نشركها في تحمل مسؤولية هذا الإحساس، فلا نفقد ثقتنا في الآخرين بشكل كلي·

أما إن كانت الإجابة بلا، فهذا يعني أننا سنعيش إحساس الغربة عن الآخرين بألم، لأننا نعتقد أنهم لم يكونوا أقوياء بما يكفي ليثبتوا على حالهم، وسنألم كثيرًا لعدم بقاء شيء أو شخص أو مكان على حاله، مع تبرئة الذات وربما تنزيهها عن أي تغيير، وعدّها محصنة عن التأثر بما حولها بحيث تبدو ملائكية لا يعروها التغيير ولا يطرأ عليها التبديل، وهذا ما يجعلنا فرائس لأحاسيس مختلفة، كالضجر ممن حولنا، وانتقاد استجابتهم للمؤثرات الخارجية التي تحول الذهب إلى تراب، دون أن يدور في خلدنا أن نكون قد تغيرنا مثلهم أيضًا ونحن لا نشعر بذلك·

ولكن ليس من الضروري أن يكون التغير للأسوأ دائمًا؛ فقد يكون التغير للأحسن، وقد تُقال هذه العبارة: هل هذا الشخص أو المكان الذي أعرفه مقترنةً بإحساس بالرضا والسعادة والحبور· ومثلما يحدث أن نفارق شخصًا، أو مكانًا، مثلا، ثم نعود ونلتقي به بعد حين من الزمان، فنجد أنه قد تعرض لتغيرات إما جعلته يبدو مختلفًا كليًا أو جزئيًا عما كان من قبل، ولكن للأسوأ، وأن الأيام تركت أثراً عكسيًا عليه، وأخذت منه أفضل ما لديه، وأعطته أسوأ ما لديها، فإنه قد يحدث أن ندخل في دائرة الفراق واللقاء نفسها، ولكن الشعور الذي يخالجنا تجاه التغييرات التي طرأت على من نلتقيهم بعد غياب يكون إيجابيًا، وأن هذا الشخص أو المكان قد تغير ولكن للأفضل، وأن مرور هذه المدة الزمانية أكسبه الكثير من الإيجابيات، وخلّصه من كثير من السلبيات·

ويظل إدراكنا للتغيرات التي تطرأ على ذواتنا هو الأمر الأصعب علينا، مع أننا نقرّ جميعًا بأن التغير سمة طبيعية جدًا، لا يستطيع شخص إنكارها، ولكن عندما يتعلق الأمر بنا، فإننا قليلاً ما نقرّ بهذا الأمر·

جامعة الإمارات

 sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

إعدام طاغية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
صدام حسين.. الضحية:
سعاد المعجل
كأنني لم أعرفه من قبل:
د. فاطمة البريكي
لم يحترموه:
على محمود خاجه
نقابات "مرتزقة":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الإعدام: استعجال أم ضربة معلم؟!:
عبدالخالق ملا جمعة
الرقم السابع يطرق الأبواب:
د. محمد عبدالله المطوع
ذكريات أحمد البشر الرومي(1):
د. محمد حسين اليوسفي
هل هناك دول عربية آيلة للسقوط؟:
عبدالله محمد سعيد الملا
وماذا عن الهولوكوست الإسرائيلي؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
بيني وبين ذلك الفرنسي...:
الدكتور محمد سلمان العبودي
كى لا ننسى... "سي سمعة".. تنقيح الدستور وتربيط العصاعص والجولات!:
خالد عيد العنزي*
إسرائيل هي السبب:
يوسف الكندري
نساء البحرين وواقع التحديات الكبرى(3):
بدر عبدالمـلـك*