رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 أبريل 2007
العدد 1768

الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

التعرف إلى الشخصيات العامة والمشهورة رغبة يشترك فيها الكثير من الناس، فمعظمنا يجد في نفسه ميلاً تجاه شخصية ما، برزت في مجال من المجالات المختلفة، كالرياضة، أو الفن، أو الثقافة، أو غير ذلك، فتنشأ المعرفة الأولية بيننا وبينها على البعد، ونحبها ونتعلق بها على البعد أيضًا، وننتظر أن يأتي يوم تتلاشى فيه المسافات بيننا وبين هذه الشخصية، حتى نقترب منها أكثر، ونتعرف إلى جوانب أكثر خصوصية فيها، لنشبع تلك الرغبة الطبيعية في النفس، التي تدفعها للتعرف إلى مثل هذه الشخصيات دفعًا، إن سنحت لها الظروف بذلك·

وقد تسنح الظروف فعلا بالاقتراب والتعرف إلى تلك الشخصية، ليتحول الحلم إلى حقيقة في لحظة غير متوقعة غالبًا، لكن ما بعد هذه اللحظة يظل أمرًا مجهولاً؛ فقد يكون حلمًا جميلا بالفعل، لا يريد الشخص الاستيقاظ منه، وقد يكون كابوسًا ثقيلاً، يتمنى أن تحدث معجزة وتزيحه عن صدره·

ويتحدد هذا بحسب طبيعة الشخصية محور الاهتمام؛ فبعض الشخصيات تزداد ألقًا كلما ازدادت قربًا من الناس، وبعضها تصبح مظلمة كلما اقترب منها الناس· الأولى تكون لحظة اللقاء بها حلمًا جميلا، وما بعد اللقاء ذكرى غالية تظل ترفرف في جوانب الروح كلما تذكرها المرء، أما الثانية فتكون لحظة اللقاء بها كابوسًا ثقيلا، وما بعد اللقاء معاناة مريرة تعصف بالنفس كلما مرّت على الذهن ذكراها·

الكلام هنا على الشخصيات المشهورة العامة، التي نراها كبيرة في عيوننا، بما تقدمه لنا، وللمجتمع، وللبلاد، وبما تبذله من أجل كل هؤلاء على حساب نفسها، صحة، ووقتًا، وجهدًا، متناسية حياتها الأسرية الخاصة، والاجتماعية العامة، وغير ذلك، في سبيل فقط أن تكون دائمًا أفضل في كل عمل تقوم به، أو تُكلَّف به، ولتكون خير من يمثلنا كمجتمع متى دعت الحاجة لذلك·

هؤلاء الكبار يجب أن يبقوا كبارًا في عيوننا وقلوبنا ونفوسنا، ولا يجب أن يمس صورتهم أي تشويه قد ينال من حسنها، ولا يجب أيضًا أن يسمح محبّوها لأي شائبة بأن تعكر صفو جدولهم الجاري رقراقًا في شراييننا· لكن ما العمل إن قام الكبار أنفسهم بفعل التشويه هذا أو ذاك؟ وكيف يكون التصرف؟

لا أعتقد أننا نملك فعل شيء حينها؛ فحين يكون الخصم والحكم واحدًا يجب ألا يتدخل القاضي في الأمر، وأن يدع لهذه الشخصية أن تعبر عن نفسها كما تشاء هي أن تقدم نفسها للآخرين، وأن يفسح لها المجال لأن تُعرِّف الآخرين بالجوانب التي لا يعنيها أن تسترها عنهم، أو لا يهمها أن تحتفظ بها لنفسها·

يحدث في كثير من الأحيان أن يكون الكبير كبيرًا، ويكون مقامه عاليًا، ولكنه يصغر فجأة، ويسقط في لحظة، لأنه لم يكن كبيرًا في موقف ما، كان من الضروري أن يتسامى فيه عن هوى نفسه، وعن إغراءات النفس الأمارة بالسوء، وعن الرغبة التي قد توصل الإنسان إلى مهاوي الردى دون أن يشعر· وأقصد هنا الموت المعنوي، أو موت الذكر الحسن بين الناس، وليس الموت المادي الذي قد يتسبب في غياب الجسد المادي عن العيون، لكن ذكر صاحبه يظل عَطِرًا عابقًا بين الناس حتى بعد غيابه بسنوات·

الكلمة دلالة على صاحبها، فإذا تكلم شخص ما فإنه يكشف عن قطعة من عقله، وقطعة أخرى من نفسه، لذلك يجب على الإنسان أن يكون حريصًا على كل كلمة يتلفظ بها، وأن يزن كلامه بميزان أشد حساسية من ميزان الذهب، لأن الكلمة التي تخرج من فمه، إما أن تكون له، أو تكون عليه، ولا يوجد احتمال ثالث هنا· هذا إذا كان الإنسان شخصًا عاديًا من عامة الناس؛ فكيف إذا كان شخصية عامة، كبيرة القدر بين أفراد المجتمع؟ لا بد أن وضعها سيكون مختلفًا، وسيكون وضع الكلمات أشد حساسية مع هذه الشخصية منها مع شخص من عامة المجتمع·

السلوك أيضًا يدل على صاحبه، وهو أحد الدلالات الواضحة التي تكشف عن سمات أساسية في أي شخصية· وإذا كان الإنسان العادي مطالبًا بأن يراقب سلوكه بشكل دائم، وأن يحرص على تنقيته مما قد يعلق به من شوائب نتيجة ضغوطات الحياة اليومية، والاحتكاك بأشكال مختلفة من الناس بشكل يومي ودائم، وكثرة الأعباء والالتزامات الملقاة على الجميع دون استثناء، فإن الشخصيات المشهورة العامة، ذات القدر العالي والمكانة الرفيعة في قلوب أفراد المجتمع لا بد أن تكون أكثر حرصًا على مراقبة سلوكها، وأكثر اهتمامًا بتشذيبه وتنقيته من كل ما قد يشينه؛ فموقف واحد قد يفسد تاريخًا طويلاً من الحب والاحترام الذي يكنّه أفراد المجتمع لهذه الشخصية إن رأوها على حال لا يرضون عنه·

قد تغلب بعض الرغبات الذاتية على منطق العقل والأخلاق في بعض الأحيان، ويشعر الإنسان أنه سينعم براحة شديدة إذا تصرف بشكل ما، قد يتسبب به - قاصدًا - بإحراج أحد الأشخاص، أو بوضعه في مأزق، أو بالنيل منه، وقد يستخدم في ذلك كل ما يملكه من ذكاء ومهارة وشعبية في جذب انتباه الآخرين لإسماعهم ما يريد قوله، لكنه لا يعرف أنه يسجل بذلك سطرًا في شهادة وفاته -اجتماعيًا-، عند محبّيه الذين أحبّوه كبيرًا، ولا يريدون رؤيته صغيرًا·

إن هذا الكلام ينبع من حرص على نقاء صورة الشخصيات التي نحبها، ونريد أن نراها دائمًا في أفضل المواقف وأنبلها، خصوصًا أن أعناق شرائح كبيرة من أبناء المجتمع تشرئب إليها، ليس لمجرد الرغبة في التعرف إليها فقط، بل أيضًا للتعلم منها، وتقليدها، ومحاكاة سلوكها، ومظهرها الخارجي، واهتماماتها، وكل شيء يتعلق بها، لذلك يجب عليها أن تهتم بأن تقدم نفسها لمحبيها في أجمل حالاتها، وأن تحرص على أن تقترب منهم إحساسًا منها بأنها منهم، وليس تجملاً منها بالتواضع لهم؛ فمجرد إعطاء الناس إيحاء بأنهم أقل وأن الآخر يتحمل مشقة التواضع من أجلهم يعد أمرًا مزعجًا بالنسبة للكثيرين·

كما يجب على الكبير أن يكون كبيرًا في كل شيء؛ فإذا كان كبيرًا في مجاله، وفي تخصصه، وفي الميدان الذي برع فيه، وفي منزلته الاجتماعية، فعليه أن يكون كبيرًا بأخلاقه، وطباعه، وسلوكياته· إذ لا يكون الكبير كبيرًا إن اختار أن يكبر متى شاء، ويصغر متى شاء·

* جامعة الإمارات

 sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

أوروبا لها "فزعتها":
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ملفع الوزيرة!!:
سعاد المعجل
نعم الثقل العربي خليجي:
عبدالله محمد سعيد الملا
إمّا حرامي أو أثول:
على محمود خاجه
"لا طبنا ولا غدا الشر":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
المعدلة وراثيا:
مريم سالم
الحكومة مطالبة بتطبيق القانون:
محمد بو شهري
الحكومة والأحزاب "تحزبوا":
المهندس محمد فهد الظفيري
معصومة وزيرة للخارجية.. ما المانع؟!:
عبدالخالق ملا جمعة
شاعر المليون:
المحامي نايف بدر العتيبي
المثالية والمرونة على مضمار التحدي:
عبد العزيز خليل المطوع
أرقام منسية:
عبدالله عيسى الموسوي
إسرائيل في بيوتنا:
باقر عبدالرضا جراغ
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا:
د. فاطمة البريكي
بذاءة إلكترونية أخلاقية وسياسية ..ولا مسؤولية!:
خالد عيد العنزي*