رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 - 10 صفر 1420هـ 19 - 25 مايو 1999
العدد 1377

الديمقراطية والتسامح!
عامر ذياب التميمي
tameemi@taleea.com

يغيب عن ذهن بعض السياسيين من خلال ممارستهم للعمل السياسي أهمية الاستماع الى الرأي الآخر، وكذلك تغيب عن أذهانهم مسألة التسامح مع الخصوم السياسيين·· ويلاحظ أن مفاهيم الديمقراطية في العديد من المجتمعات النامية، أو التي أخذت تتجه نحو النظام الديمقراطي، هذه المفاهيم تحدد الديمقراطية بالانتخابات أو قيام أحزاب سياسية، لكن ماذا بعد ذلك فهو ليس بذي أهمية·· ومن المؤكد أن قيم الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتعزز في المجتمعات التي اعتادت على نظم سياسية شمولية، أو منظومة قيم اجتماعية تكرس الولاء المطلق لمن يملك ناصية الحكم أو الأمر··· ويزيد من صعوبة تأصيل القيم الديمقراطية الأصيلة في هذه المجتمعات الانقسام الرأسي والأفقي، حيث تتواجد طوائف دينية متنوعة، أو تتكاثر التقسيمات القبلية والعشائرية والأثنية، كذلك تتسم بعض هذه المجتمعات بالتفاوت الطبقي نتيجة لسوء توزيع الثروة··

ولا شك أن المجتمعات العربية هي من المجتمعات التي تعاني من أمراض الشمولية السياسية والاستقطابات المجتمعية، ولذلك فإن الفكر الديمقراطي لا يجد أرضا خصبة في هذه البلدان·· وبالرغم من أن هناك عددا لا بأس به من المتعلمين والمثقفين قد تلقوا تعليمهم ونهلوا ثقافاتهم في البلدان الغربية ذات الأنظمة الديمقراطية إلا أنهم بعد أن عادوا الى بلدانهم ودخلوا في معترك الحياة العامة، ما زالوا يعانون من لوثة الفكر الشمولي وعدم تقدير الرأي الآخر·· ولذلك لم يكن مستغربا إذا اتفقنا مع هذا التوصيف ما حدث في سنوات الستينيات والسبعينيات وما تلاها من سنوات وحتى الآن من صراعات، اتسمت أحيانا بالدموية، بين أحزاب قادها مفكرون تلقوا تعليمهم في بلدان متحضرة·· ويبدو أن المكونات الأساسية لهذه الشخصيات السياسية تتغلب على تجاربهم الثقافية المحدودة الأثر في بلدان الغرب·· ويؤكد ذلك أن التطور يتطلب توفير الأرضية المجتمعية المناسبة لإنجازه ولا يعتمد فقط على جهود فردية··

وعندما نتمعن في أوضاع عربية محددة مثل حالة الجزائر فإننا نجد طغيان الفكر الشمولي وعدم تقبل الاختلاف وتعدد الآراء، وإلا كيف تفسر المذابح واختناق قنوات الحوار بين السلطة والمعارضة بكل أطيافها وتعثر المسيرة الديمقراطية؟ ويفسر بعض علماء الاجتماع هذه الظاهرة بكون المجتمع الجزائري والمجتمعات العربية الأخرى هي في الأساس مجتمعات فلاحية أو زراعية لم تتمدن بشكل كاف، ولذلك تطغى فيها النزعات المتطرفة التي تحول دون توفر مناخ مناسب للتسامح السياسي·· لكن السؤال المهم الذي يؤرق المرء هو كيف يمكن للمجتمعات العربية أن تتواءم مع الحضارة الإنسانية في عصر العولمة وقيم الديمقراطية التي تنشرها وسائل الإعلام من خلال الحوارات ومن خلال ما يحدث من تطور في بلدان عديدة؟ لا شك إن مجتمعاتنا سوف تتأثر بما يحدث في العالم، ولكن قدرتها على استيعاب التغييرات المنشودة سوف تكون أبطأ مما يحدث في بلدان أخرى··

من النماذج التي نأمل أن تتطور نحو المزيد من الديمقراطية والتسامح هو النموذج الكويتي··· فكما هو معلوم أن الكويت منذ أن استقلت في عام 1961 قد اعتمدت دستورا متطورا ونظاما برلمانيا، لكن هذه الوضعية شابها عثرات عديدة من أهمها تعطل الحياة البرلمانية لسنوات عديدة بأسباب حل مجلس الأمة·· وهناك عناصر عديدة حالت دون اكتمال الوعي الديمقراطي منها عدم السماح للنساء بالتصويت والترشيح، وتوزيع الدوائر الانتخابية بطرق تعزز النزعات الفئوية، وكذلك غياب الترخيص الرسمي والمشروع للأحزاب والتنظيمات السياسية كل هذه العوامل حالت دون نضوج المجتمع ديمقراطيا، ولذلك تبرز نزعات الاستقطاب في العمل السياسي، وتتكرس الخلافات الهامشية على حساب القضايا الرئيسية··

لكن كيف يمكن لمجتمعاتنا أن تنطلق في رحاب الديمقراطية وتتمكن من التخلص من نزعاتها الشمولية ونزعات الطغيان؟ لا يمكن أن نتوقع تطورا سريعا، بل يجب أن تسعى الفئات الواعية من أجل تطوير مؤسسات حكم تؤمن بالديمقراطية وتقبل بتداول السلطة وتعمل على نشر ثقافة ليبرالية·· كما أن المثقفين عليهم أن يعملوا على التخلص من موروث الفكر القديم الذي يقيدهم بالقيم والمفاهيم المستبدة، ويتحاوروا بشكل يوسع من دائرة التسامح واحترام الرأي الآخر··· ومن الطبيعي أن الوصول الى هذا المستوى الرفيع من التفهم يتطلب تحررا من وصاية الأنظمة السياسية، خصوصا أنظمة الطغيان والاستبداد، وتعزيزا للاستقلالية الفكرية التي لا تتقيد بولاءات والتزامات تجاه أي أطراف معادية للفكر الديمقراطي··· ولا ريب أن ما سبق ذكره يؤكد أن الديمقراطية والتسامح في بلداننا العربية لن يصبحا من الحقائق الملموسة من دون تحرر الثقافة من قيود الاستبداد!

�����
   

سابق لأوانه:
محمد مساعد الصالح
جرأة المقاومة اللبنانية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الشباب الإيجابي:
يحيى الربيعان
الديمقراطية والتسامح!:
عامر ذياب التميمي
حل النصف خطوة!!:
سعاد المعجل
الحل والمستقبل:
أنور الرشيد
امرأة رفعت شعار حقوق الإنسان...!:
د· بدر نادر الخضري
شكراً كندا:
حميد المالكي
البلاغات الكاذبة
...إلى متى؟!:
فوزية أبل