عجلة الحياة لا يمكن أن تستمر بالحركة من دون الحقيقة، أينما يكون المرء منا نجده يبحث عن الحقيقة، ومهما تكن التكلفة والمعاناة تظل المسألة في غاية الأهمية والضرورة، وكما هو معروف أن نشأة وصناعة بذرة الحقيقة تبدأ من المنزل أولا، فإذا كان أولياء الأمور يتحلون ويتمسكون بالحقيقة والخصال الحميدة، فلا شك أن تلك الخصال الطيبة ستنعكس على سلوكيات الأبناء وسوف تترسخ كعقيدة في أذهانهم ووجدانهم، وبالتالي يكون لهم الأثر البناء والفعال بين أفراد المجتمع الواحد، ولكن حينما نرصد الواقع نجد أن الحقيقة باتت غير متداولة وليست لها أهمية تذكر، وأضحت بالمقابل سلعة الكذب واللف والدوران وخرق القوانين والنظم أكثر شيوعا وتداولا· يتساءل المرء منا عن سبب تردي وتراجع الأوضاع والمفاهيم السامية الى الصفوف الأخيرة؟ فهل يعود السبب في ذلك الى أنانية البعض وحب الذات والانحياز نحو الفئة والجماعة، أو بسبب اندفاع البشر نحو الماديات الصرفة وبحدة، ناهيك عن كسب لقمة العيش بأسهل وأريح الطرق المتاحة، أو ربما يعود السبب في ذلك كله الى ابتعاد الناس عن جوهر وروح الدين الأصيل والذي ينهى عن كل تلك الصفات·
مهما تكن الأسباب والأعذار، علينا أن لا ننكر أو نكابر بأن هناك أسبابا عدة ومختلفة تفاقمت وتراكمت منذ زمن، ومن بينها عدم التزام المسؤول بالأخلاق والصدق، وزيادة على ذلك كسر القانون وتجاوزه، وهنا تكمن جل المعضلة، حيث الخطوة الأولى نحو الانزلاق والهاوية، فالمسؤول الذي يفترض أن يكون القدوة الحسنة والمثل الأعلى يقترف كل تلك الأفعال المشينة، ترى هل يحق لأحد أن يلوم الإنسان البسيط والعادي لارتكابه الإفك وانتهاكه للقانون بالرغم من أن الأمانة والمصداقية هما رأس مال الفقير؟ ولكن كم فردا منا سيلتزم بذلك المبدأ ولن يخرقه، ولاسيما في هذه الأيام، والتي لا يدرك ولا يدمن فيها الصدق إلا القلة، يقول المخرج والمفكر سيدني بولاك: ثمة طنطنات تفخم الواقع وتعطيه بعدا أكبر منه، ولكن هذا لا يمنع من التعبير عن بعض الحقائق الصادقة، لأن لا شيء أكثر تعبيرا عن الصدق من الكذب نفسه·
في الماضي نتذكر جيدا أن مسألة المراوغة كان يشتهر بها القلة، بينما الآن بات الغش مسلك الأغلبية؟! مسكين ابن آدم عندما يلجأ للإفك كي يجمل فعله ويبهر الآخرين، وربما ينجح في ذلك، وربما يجني بعض الورود، ولكن حتما سوف لن يحصل الثمار·· كون أن الحقيقة لا يمكن أن تبقى مدفونة كما يشير إليها المثل الإيطالي·
جماعة (الداهية السياسية!!) والتي تسببت في قتل الآلاف والدمار، أخيرا رضخت ووافقت على تسليم أسلحتها، ولكن مقابل حفنة من الدولارات، ما شاء الله "خوش وطنية وخوش مقاومة"، حبذا لو قامت الحكومة العراقية الموقتة بتطبيق الأسلوب نفسه مع باقي المتمردين والإرهابيين في باقي المدن العراقية، لا شك أن النتيجة سوف تكون مشابهة، وحتى لو كان هدف هؤلاء المتمردين إفشال العملية الانتخابية القادمة، فكل شيء يمكن التفاوض عليه معهم مقابل الدولار·
freedom@taleea.com |