في الماضي عندما كنا نتأمل سيماء وجه أحد الأطفال، كنا نلاحظ تعبيرات البراءة مجتمعة في عينيه، أما في هذه الأيام، بات الطفل يدرك ويشعر زيادة عن الحد المطلوب منه، وسلوكه أضحى يتجاوز أعمار الورد الربيعية المتفتحة، بالتالي أضحت البراءة شبه معدومة لديه ولا شك في أن جل المسؤولية يقع على الأسرة والمؤسسات التربوية وكذلك على الكثير من وسائل الإعلام المنتشرة، لعدم اهتمامها وعدم اكتراثها بتسخير برامج تتناسب وتنفع البراعم غير الناضجة من الطفولة المشوشة والمضطربة، الى التعليم في المدرسة· في الماضي عندما كان التلميذ يشاهد أحد أساتذته، كان يقف له تبجيلا واحتراما، سواء داخل أسوار المدرسة أو خارجها، ولكن المدهش والغريب في الأمر، أنه ما عادت تلك الأعراف متوافرة ومستوجبة خصوصا عند طلبة المراحل السنية المتقدمة· يقول الأديب نجيب محفوظ: عندما يتعالى الصغير على الكبير ينعدم العدل وتندثر الأعراف والأصول· وبعد المرور والتسلسل في المراتب الدراسية وحصول الطالب على الشهادة الثانوية وبتقدير يؤهله للدراسة والتعليم في الجامعة، تكمن الإشكالات التي لم تكن موجودة، ومنها مثلا: ما أن يلج الطالب الى (الحرم الجامعي) وللوهلة الأولى، يفاجأ ببعض المناظر والمظاهر غير المتوقعة لديه، من حيث اهتمام بعض الطلبة بالأزياء وبآخر صرعات الموضة، حتى يتصور الطالب المستجد أنه في إحدى دور الأزياء أو في أحد المراكز التجارية، وليس في مكان لتلقي وتشرب العلم كالماء الذي لا يستغني عنه الجسد·
المعضلة الأخرى حينما يكون الهدف والمسعى لدى الطالب، الحصول على الشهادة فحسب، وذلك للظفر بوظيفة متمايزة عن الآخرين، وليس من أجل الزيادة في المعارف والمدارك العلمية، وكما هو معروف، فإن الفضيلة تنبع من المعرفة والحكمة والعقل الفعال· الطامة الكبرى التي يواجهها الطالب المستجد حينما يُقترح عليه الانضمام الى القوائم الطلابية المعروفة بطرحها وترسيخها للطائفية البغيضة، وكذلك تعصبها وتقديسها للأشخاص، فعلى الطالب ألا ينصرف من أجل مناصرة هؤلاء تاركا وراءه تحصيله العلمي، وعلى الطالب أيضا أن يعرف نفسه جيدا وأن يعي إلى أين هو متجه·
يقول الحصيف سقراط: (معرفة النفس هي كل المعرفة)· وعند انقضاء سنوات الدراسة وحصول الطالب على الشهادة الجامعية، الكثير من هؤلاء يرومون وظائف مريحة ومجزية! ناهيك عن طموحهم بتبوّء المراكز القيادية والإشرافية، وللأسف من السنة الأولى في العمل!!
في دول العالم المتقدم لا يوجد أي حرج أو عيب بالنسبة للموظف الحديث العهد بالعمل، أن يقضي بعض الوقت في المواقع الميدانية، حتى يتم تدرجه في السلم الوظيفي، ومن ثم يصل الى مبتغاه ويحقق جانبا من حلمه الذي كان ينشده، بلا شك إن هاجس القلق لدى الشاب ينجلي عقب حصوله على الوظيفة، وحتي يكتمل النصف الآخر من حلمه ودينه، يذهب مع الأهل والأقارب للبحث عن فتاة أحلامه، يواجه الشاب بعض المطالب الخرافية من أهل العروس، وبعد "اللتي والتيا" يوافق الشاب على المطالب التعجيزية على مضض ليقترن بست الحسن والدلال، تنقضي الأيام والسنون، ويصبح الشاب في العقد الثالث من عمره، هنا تبدر لديه الفكرة، في خوض غمار انتخابات مجلس الأمة أو البلدي، لا سيما إذا كان ينتمي الى أحد التيارات السياسية، يبدأ المرشح حملته الانتخابية، والتي تشتمل على زيارة الدواوين، وإقامة الولائم، وأخيرا ندوات الخواء الصاخبة، وهذه حقيقة، لأن معظم المرشحين والساسة لا يمكننا الوثوق بهم، كما يبين ذلك القول الإنجليزي الشائع most politicians are liers وتظهر نتائج الانتخابات ويسقط المرشح المخادع، بالرغم من لجوئه الى العديد من طرق التدليس، من خدمات شكلية وشعارات طنانة فارغة· فيما بعد الفشل والشعور بمرارة الهزيمة، يعود ذلك المرشح السابق، ليهيم على وجهه في الطرقات والمجمعات التجارية أو للبورصة ليجرب حظه، وفي المساء يذهب للمقاهي الشعبية ليتجاذب أطراف الحديث مع الأتراب، وتناول أسياخ الكبدة الشهية، وفي أثناء تدخينه للشيشة، يأتيه اتصال عبر الأثير على هاتفه المحمول ليخبره بنبأ سعيد، لقد تم اختيارك لمنصب تنفيذي مهم!! ولكن تحت الشروط التالية: أن تكون مطواعا، وتنفذ، ولا تشاور فهل ستوافق؟ بكل تأكيد·· كي لا يطلق عليه عنصر تأزيم!!
أرجو أن لا يفهم مما ذكرت أنني أريد أن أثبط العزائم أو أنني أعمم على الكل، بيد أنني أردت أن أتطرق لمواطن الخلل التي نعاني منها في حاضرنا·
freedom@taleea.com |