رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء غرة صفر 1427هـ - 1 مارس 2006
العدد 1717

ألغام العمالة الأجنبية
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

العمالة الأجنبية في بلدنا (شر لا بد منه)، فمن ذا الذي ينكر ضرورة وجودهم في البلاد عامة، وفي كل أسرة خاصة· ولكن هذه الضرورة يجب أن توضع تحت المجهر، خصوصاً إذا أصبحت الآثار السلبية المترتبة عليها خطيرة، ومن الممكن أن تشكل ظاهرة·

وتشير الإحصاءات الى تزايد أعداد العمالة الأجنبية في الدولة بحيث أصبح عددهم متفوقاً على عدد المواطنين كثيرا! وهذا يعني وجود خلل كبير في التركيبة السكانية من شأنها أن تؤثر سلبا على مجتمعنا في المستقبل القريب في جوانب تمس الهوية، والانتماء والولاء، والأمن النفسي والاجتماعي، وغيرها·

وقد كشفت الحوادث التي جرت مؤخراً في بعض إمارات الدولة - والتي قام بها عمال أجانب بدوافع مختلفة - عن وجود ثغرات كبيرة في مجتمعنا، وهي - رغم أنها تبدو سطحية وظاهرية - ممتدة الى أعماق البنية الاجتماعية، وتتطلب وجود حل يعالج الإشكالية من جذورها، ولا يكتفي بالتوقف عند معالجة السطح، وتجميله، وإهمال ما يعتمل بخفاء  تحته·

 ولعل أهم خلل كشفت عنه هذه الحوادث هو أننا لم نتمكن حتى الآن من القيام ببناء بلدنا على المستوى المادي والمعنوي بأنفسنا، رغم إمكانية القيام بذلك حاليا، فقد كان مجتمعنا في السابق مجتمعا ناشئاً، يخطو خطواته الأولى نحو التقدم والتطور، ولم نملك حينها قدرات وإمكانات بشرية تستطيع القيام بالأعمال المختلفة التي يحتاجها مجتمع ناشىء بخبرة ومهارة، سواء أكانت تلك التي تحتاج الى متخصصين من حملة الشهادات الجامعية في التخصصات الدقيقة والمهمة، أم تلك التي تحتاج إلى عمال مَهَرة وأصحاب المهن الحِرَفية، مما اضطرنا - آنذاك - إلى الاستعانة بالآخرين لمساعدتنا في بناء وطننا·

ولكننا تجاوزنا - منذ عدة سنوات خَلَت - مرحلة النشوء والبناء الأولى، واستطعنا في زمن قياسي جدا أن نؤهل أفراداً مواطنين متخصصين في مجالات مختلفة، خصوصاً التدريس والطب والهندسة والتخصصات الإدارية المختلفة، ومع ذلك لا نزال نلاحظ وجود ثغرة في جانب المهن الحرفية التي تحتاج الى مجهود عضلي، ومهارة يدوية، وكسر للتصور الوظيفي السائد بين شبابنا على أنه مكتب مكيف وكرسي وثير وسكرتيرة حسنة المحيا والكثير من الأوراق التي تنتظر التوقيع فقط·

إنني لأعجب حين أجد أن عمال البناء وعمال الطرق وعمال النظافة والبائعين في المحال الكبرى والصغرى وسائقي سيارات الأجرة وغيرهم من الأجانب، ولا أرى إلا نادراً مواطنا يمارس مهنة من هذه المهن أو غيرها مما يشبهها، ويغلبني التساؤل عما إذا كان جميع شبابنا من حملة الشهادات العليا فعلا يمارسون وظائفهم في المواقع المناسبة لهم أم أن جزءا منهم يقضي وقته عبثا، معتمدا على مصروف الوالد في انتظار وظيفة يحلم بها وهو لا يمتلك المؤهلات المناسبة لها؟

في دول خليجية أخرى يمكن أن نجد من مواطنيها من يمارس جميع المهن دون أنَفَة أورفض مع قناعتهم التامة بأنهم يقومون بدور مهم في بناء وطنهم، ولكننا هنا في الإمارات نترك ممارسة هذه المهن - التي نحتاجها كثيراً - لتحتكرها العمالة الآسيوية تحديدا، فنصبح بذلك تحت رحمتهم، خصوصاً أنهم يعرفون مقدار حاجتنا إليهم، وعدم قدرتنا على إيجاد بديل مختلف عنهم·

ولعلّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا لم نتمكن حتى الآن من الاستغناء التدريجي عن كل هذه العمالة، فإذا كنّا في السابق غير قادرين وغير مؤهلين للقيام بكل متطلبات النهوض بالوطن فما الذي يمنعنا الآن من القيام بذلك على الرغم من قدرتنا عليه؟ إنها الوجاهة الاجتماعية والنظرة الدونية المنتقصة لأصحاب تلك المهن، إذ يفضّل الشاب المواطن غالباً الجلوس عاطلاً من غير عمل على أن يمتهن النجارة أو السباكة أو القيام بأعمال البناء·

ونتيجة هذه النظرة الدونية لأصحاب المهن الحرفية نجد أن بعض المواطنين لا يكتفون بالإعراض عن ممارسة هذه الأعمال، خصوصاً من كفاهم الله ذلك بأن أغناهم من فضله، ولكنهم يقومون أيضا بإظهار هذه النظرة الدونية أمام الخدم والعمال أنفسهم، فيتعاملون معهم بتكبّر وتغطرس، ويتعمدون إهانتهم والإساءة إليهم وجرح مشاعرهم، وهذه سلوكيات موجودة في مجتمعنا - دون تعميم - ونجد آثارها مصائب تحلّ فوق رؤوسنا دون أن نقرّ بأن سوء معاملتنا هي التي جعلت من العمالة الأجنبية ألغاماً موقوتة تدور بيننا للانفجار في أي لحظة·

ومما زاد الطين بلّة - كما يُقال - هو أن كثيراً من الأسر تبالغ في عدد الخدم العاملين في المنزل الواحد، تحت مسميات مختلفة: كالسائق، والمربية، والطباخ،·· إلخ، إما لحاجة حقيقية لوجودهم جميعاً أو لمجرد الوجاهة الاجتماعية! ويتفاوت سلوك الأسر مع خدمهم أيضا بين اللين والرحمة والشدة والقسوة التي دفع ثمنها فرد من أفراد الأسرة أو الأسرة كاملة في أحيان كثيرة·

إن حلّ هذه الإشكالية في نظري يقوم على مرحلتين: الأولى من خلال توجيه المواطنين الى خطر العمالة الأجنبية في البلاد، على مستوى الأسر والمجتمع، وذلك سعياً نحو تقليص أعدادهم، وأيضا نحو معاملتهم بالحسنى وتفهم نفسياتهم والتعامل معهم كما أوصانا نبينا - عليه أفضل الصلوات والتسليم - في كثير من أحاديثه الشريفة· والثانية من خلال بدء توجيه الشباب المواطنين نحو المهن الحرفية التي يقوم بها العمال الآسيويون حتى الآن، وبيان أنها لا تقل في أي جانب من جوانبها عن المهن الأخرى، مع محاولة رفع المستوى المادي للعمال المواطنين، كي لا يشعروا بتفاوت مادي أو معنوي بينهم وبين غيرهم من أصحاب المهن الأخرى·

إننا يجب أن نبدأ مرحلة استغناء تدريجي عن هذه العمالة الأجنبية التي تختلف في حمولتها الثقافية والفكرية والنفسية عن حمولتنا، مما يخلق نوعاً من الصدام المبطّن غالباً، والذي يظهر فجأة في صورة رد فعل انتقامي، تطالعنا صفحات الحوادث في الصحف يومياً بنماذج منه ومع هذا لا تزال المشكلة قائمة ولم تتم معالجتها من جذورها حتى الآن·

* كاتبة إماراتية

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

السويحب يحتج و "الطليعة" تعتذر:
سعد عبدالله السويحب
أصالة الشعب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
لماذا مدينة للعزاب؟!:
سليمان صالح الفهد
الأيادي الخفية!!:
سعاد المعجل
معالجة القروض.. مازال المطلب مستمرا!:
عبدالخالق ملا جمعة
هذا القادم الغامض:
كامل عبدالحميد الفرس
حرية الصحافة ...الى أين؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
بين زمانين:
محمد بو شهري
الإذاعة المدرسية... فوق الرقابة:
عويشة القحطاني
ألغام العمالة الأجنبية:
د. فاطمة البريكي
الرأي العام والمعلومات:
د. لطيفة النجار
منتهى الوقاحة(2):
عبدالله عيسى الموسوي
أين وسائل الإصلاح...؟!:
محمد جوهر حيات
لنبدأ بأنفسنا أولا:
يوسف الكندري
قضايا محلية... وشوية:
مسعود راشد العميري
وسيلة فهد:
على محمود خاجه