أعتقد أن الإرهاب والتطرف قد نما وترعرع في الخليج والجزيرة العربية بفعل غياب الديمقراطية والحرية والتعددية وأن الكثير من البلدان قد رعت الحركات الدينية وقدمت لها الكثير من أجل محاربة التيارات والتنظيمات والتوجهات الوطنية الديمقراطية التي رأت أنها خط يهدد كياناتها وهذه لا شك رؤية خطأ وقراءة مستقبلية غير ناضجة، فالذي يطالب بالديمقراطية وتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية واحترام الدستور والقوانين ويعمل في النهار أمام مرأى ومسمع الجميع لا أظن أنه يريد شرا، لكن الشر قد يأتيك ممن هم يعملون وراء ستار وممن يمتلكون المليشيات المسلحة التي تدعم فكرهم السياسي، فلقد اعتقد الكثيرون أن المجتمعات الخليجية والعربية وبما أنها مجتمعات محافظة ومتدينة فإنها ستدعم التوجهات لتقوية النفوذ الديني السياسي في بلدانها وبالتالي فإن الحكومات التي تؤيد مثل هذه التنظيمات ستكون بمنأى عن الخطر وعدم الاستقرار، لكن الذي حصل عكس ذلك، فقد فرضت هذه التنظيمات الأساسية مجموعات وتنظيمات صغيرة لكنها فاعلة ومن ثم كبرت واستقوت وخاضت تجارب أفغانستان فتشكلت على نحو خطير يهدد أمن المجتمع وسلامته ويحمل فكرا تكفيريا للقادة وللمجتمع ومحاربة حتى الأفكار الإسلامية المستنيرة فما بالك بالأفكار الأخرى·
إن الحوادث الأخيرة التي وقعت في مدينتي الرياض والرباط هي جرائم بحق الإنسانية وبالتالي فإن الدين الإسلامي الحنيف منها براء بل إنها بعيدة كل البعد عن أخلاقيات وعادات المجتمعات الخليجية والعربية التي لا تمارس مثل هذا العبث من دون مبرر ومسوغ شرعي وإنساني، وما ذنب المسلمين الذين سقطوا من جراء هذه التفجيرات إذا كان من قام بها مسلمون ويدعون الجهاد؟ كما أن الأبرياء من المدنيين الأجانب ليس لهم ذنب أيضا سوى أنهم أتوا بناء على طلب السلطات المحلية من أجل القيام بأعمال تحتاجها السلطة والمجتمع قد تعود بالخير على الشعب بصورة أو بأخرى·
إن من تجرأ على القيام بمثل هذه الأعمال الإرهابية في المملكة العربية السعودية وهي أكبر الدول الخليجية ليس بعاجز عن القيام بأعمال إرهابية أخرى في دول الخليج الصغيرة ولسنا بمنأى عن مثل هذه الأعمال الإجرامية، إن الخطورة تكمن في أن من قام بهذه العمليات الانتحارية يؤمن إيمانا مطلقا بأنه شهيد وأنه يبتغي مرضاة الله سبحانه وتعالى ويطلب الجنة ويتقرب إليها بمثل هذه الأعمال، فالخطر حقيقي والبلاء كبير إذا لم تتكاتف الجهود وتتراص الصفوف في تبيان الحقيقة وإظهار روح الإسلام السمحة التي تنبذ العنف وتؤمن بالسلام وحرية المعتقد للجميع، كما أن الواجب من علماء المسلمين أن يبينوا للشعوب مواقفهم من هذه الحوادث ورأي الدين فيها، أما على المستوى الداخلي فعلى الدول أن تبدأ بالتغيير نحو الأفضل وإدخال إصلاحات عاجلة وضرورية من أجل الانفتاح وإرساء مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية ومنح شعوب المنطقة دورا بارزا في اتخاذ القرارات وهذا هو صمام الأمان والاستقرار والتنمية لكل الشعوب·
nayef@taleea.com |