تنص المادة 119 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر في 1971 على ما يلي: “إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغاؤها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون”، ولم يكن الدستور المصري مبدعا أو مجددا لأن الضريبة المطلوبة من المواطنين لابد أن يقرها ممثلوهم المنتخبون في البرلمان، وهذا الحكم متعارف عليه دوليا ولا يخلو منه دستور مهما كان مقصرا في إرساء الديمقراطية، فأول أشكال الاستبداد تاريخيا كان السطو على أموال الناس ليسعد بها السلطان وأعوانه·
وتدفع الضرائب للدولة إسهاما في تمويل وتوفير احتياجات المجتمع التي لا يمكن حساب نصيب كل مواطن فيها: القضاء، الأمن، البيئة، الصحة العامة إدارة جهاز الدولة·· إذا أردنا تحديد نصيب كل مواطن منها مثل رسم استخراج جواز سفر، الرسوم القضائية·· الخ، فيجب أن يتناسب الرسم مع مردود الخدمة، وبهذا لا يكون الرسم مفروضا على كل مواطن وإنما يدفعه من يريد الاستفادة من خدمة محددة، وضمانا لعدم إساءة استخدام الرسم كان النص الدستوري على أن يكون في حدود قانون سائد أو جديد·
ورغم وضوح هذا المبدأ المهم فوجئ أهالي بعض المحافظات بقرار من المحافظ يفرض على السكان رسم نظافة، وأتساءل وغيري كثيرون عن القانون الذي استند إليه المحافظ عند إصدار القرار، والناس من حولي يجمعون على أن تلك “الجباية” غير مشروعة، وليس ثمة ما يمنع من أن ينص قانون الإدارة المحلية على منح المحافظ بموافقة من المجلس المحلي حق فرض رسوم محددة، والقانون الحالي يخلو من أي إشارة لعمل جبائي، لقد ألف المحافظون جمع أموال لما يسمونه صندوق الخدمات، وتشوب تلك الجباية شبهة افتقاد الشرعية واحتمال ضغط السلطة المحلية على المواطنين في تحصيلها، والوجه الثاني لعدم شرعية رسوم النظافة هو افتقادها الكامل لأي أساس معقول لتحديد مدى استفادة كل مواطن من هذه الخدمة ليقارن بين ما يجبى منهم وما يعود عليهم من نفع·
وهنا ظهرت عبقرية البيروقراطية في التحايل على القوانين ألا وهي تحصيل الرسم مع فاتورة استهلاك الكهرباء! فليس ثمة علاقة بين الكهرباء والنظافة إلا حين استخدام المكانس الكهربائية··!، ويا ترى من ألزم شركات توزيع الكهرباء بهذه المهمة، وهل تحصل تلك الشركات على أي مقابل لخدمة التحصيل والتوريد الى شركة النظافة “وهي قطاع خاص وأجنبية” أو الى المحافظة، لتنقله بدورها الى الشركة وقد تحصل منها على مقابل لإعفائها من عملية التحصيل، إن مصر تعيش وموظفيها منذ خمسة آلالف سنة تحت حكومة مركزية، ولم يكن سهلا التمرد عليها لأن تتولى توزيع مياه النيل، الأساس المادي للدولة المركزية، وبالمقابل أتقن المجتمع المصري فنون التحايل على القانون، فالناس عندنا لا يحتجون أو يتظاهرون ضد أي مشروع قانون ولكنهم يعرفون كيف يعطلون تنفيذه بعد صدوره في صيغة تشريع·
إنني أدعو أهل المحافظات المصابة بهذه الرسوم الى الالتجاء الى مجلس الدولة ليلغي هذه القرارات المخالفة للدستور والقوانين·
|