إن القضية الفلسطينية مرت بعدة مراحل وبعدة مشاريع لأجل تسويتها وآخرها مشروع "خارطة الطريق" وحتى الآن لم تر النور بفعل تعنت القرار الإسرائيلي وحذف الدولة العبرية أربعة عشر بندا من بنودها لمصلحتها وبرعاية وموافقة الولايات المتحدة الأمريكية الراعية الأولى لتسوية القضية الفلسطينية، وفي هذا السياق يجب أن نفسر ونوضح خطة "إسرائيل" في الانسحاب الأحادي الجانب من غزة فهي مازالت تقع في عالم الاحتمالات المتوقعة "وهناك كثير من الاستفسارات حول دوافع واستراتيجية الانسحاب من غزة وانعكاساته على مجمل التطورات على الساحة الفلسطينية الداخلية وأثره في أساليب النضال الفلسطيني وعلى شكل المفاوضات مستقبلاً وعلى أي قضايا سوف يتم التفاوض بشأنها، وكذلك على طبيعة العلاقات والدور الذي تفرضه على الدول المجاورة لإسرائيل مثل مصر، والأردن، وعلى مستقبل دور اللجنة الرباعية وخطة طريقها، هذه الأسئلة وغيرها تثيرها خطة شارون للانسحاب من غزة، هذه الأسئلة وأسئلة أخرى تحتاج إلى إجابات موضوعية ودقيقة· إن الانسحاب من غزة بات أمراً واقعيا لأسباب أمنية توفر لإسرائيل الاستقرار، وتجنبها من هجمات المقاومة الفلسطينية، إن غزة تشكل عبئاً أمنيا وسكانيا محكوما عليه جغرافيا بالانفلاق وسهولة التحكم في مخارجه ومداخله وبالتالي التخلص منه في إطار سياسي أوسع قد يحقق لإسرائيل مكاسب سياسية كبيرة منها الاحتفاظ بالمستوطنات في الضفة الغربية، وفي حالة انسحابه من غزة سيفرض واقعاً سياسيا جديراً ومعطيات إقليمية ودولة جديدة وستتبدل النظرة لـ "إسرائىل" ولوجزئيا على أنها دولة احتلال وفي المقابل ستفرض على الجانب الفلسطيني ضغوطا كثيرة مما قد يشكل مرحلة جديدة في إدارة الصراع، وإسرائىل بانسحابها قد تسحب من الفلسطينيين ورقة مهمة في مواصلة النضال في جانبه العسكري، بالرغم من أن هذا الانسحاب لا يعني حلا جذريا لكل القضايا المعلقة، ولكنه بلاشك بداية لمرحلة سياسية جديدة تتطلب من الفلسطينيين مراجعة شاملة لسياساتهم وهياكلهم التنظيمية والسياسية ووضع استراتيجية جديدة تتلاءم والمعطيات الجديدة التي سيفرضها الانسحاب· التعامل بإيجابية مع مبدأ الانسحاب حتى لو كان ناقصاً، والانسحاب مهما كان حجمه ومداه يشكل تحولا في موقف السياسي "الإسرائيلي" إن عملية الانسحاب من غزة ليست بالعملية السهلة، بل تتطلب جهداً سياسياً جماعيا ومساندة إقليمية ودولية، ومؤسسات سياسية فاعلة وقادرة وإجماعا على شرعيتها، وإذا تحقق قد يكون الشعب الفلسطيني قادرا على مواصلة البناء والنضال من أجل بناء دولته المستقلة الفلسطينية· |