الفساد وباء المجتمعات ومرضها العضال والعائق الأهم للنمو والتطور والعدو الأكثر خطورة على مستقبل الأوطان، وكم من الدول حشدت ورصدت وتربصت لعدوها وهو خلف خطوطها وبين ظهرانيها وفي نسيجها الوطني ولم تكترث لخطورته حتى بعثرها وأسقط كل خياراتها·
الفساد كظاهرة موجودة في كل مكان ولكن بنسب مختلفة وذلك لطبيعة التكوين البشري وحسب درجة المؤثرات الاجتماعية والظروف المحيطة بالإنسان· والفساد كمفهوم يعني العبث في العام لتحقيق الخاص، فعلى الصعيد الرسمي يبدأ من ساعات العمل المهدورة، مرورا بتغييب الرجل المناسب عن المكان المناسب، وصولا الى هدر المال العام وسرقته، وعلى الصعيد الاجتماعي يبدأ من التدليس مرورا بالرياء وصولا الى المتاجرة بالدين، وهذه الظواهر انعكاس طبيعي لفساد الأخلاق والضمير في المجتمع والذي نتحمل جميعا مسؤولية استفحاله في الجسد الوطني حاكما ومحكوما لأن هذا المرض لم يأت عن طريق طرود الجمرة الخبيثة بل هو صناعة محلية صرفة بدءا من الأسرة باعتبارها الخلية الأولى في المجتمع ومرورا بانتهازية النخب باعتبارهم مرآة المجتمع وقدوته وصولا الى النظام وثقافته الشمولية والذي يتحمل العبء الأكبر من المسؤولية لأنه يمتلك أدوات التغيير ولم يوظفها لإحداث نقلة نوعية في النهوض الوطني، وإنما جندها وبكل قوتها لتثبيت سلطانه وعلى حساب المصلحة الوطنية، فتراكمت مخلفات فرديته المفرطة، التي أفرزت مجتمعا إلغائيا يحارب الإصلاح ويعتبره دخيلا على ثقافته ويعتقد أن المحافظة على الفساد ورموزه هي مهمة وطنية تهدف الى تدعيم الجبهة الداخلية لمواجهة المخططات التوسعية للعدو حتى أضحى الفساد فكرا وأيديولوجية ونظاما تربويا·
قد يظن البعض أن مكافحة الفساد الحكومي تأتي بقرار رسمي أو بحملة تطهير حكومية تشمل كل القطاعات، قد يكون هذا الإجراء ضرورياً ولكنه جزئي لأن دعائم الفساد ستكون بمنأى عن هذا الإجراء لأنها على الأغلب تمتلك حصانة ما تحميها من المساءلة، وإن وصل الى بعضها فذلك لأن المرحلة باتت بحاجة الى كبش فداء لإثبات النزاهة·· ولا يضير النظام التضحية ببعض رموزه طالما هذا الإجراء يوطد نفوذه·
إذا كان المرض يضعف مناعة الجسد فالفساد يدمره ليصبح الوطن عرضة لكل الأمراض وهذا ما يفسر الهجمة الوبائية الشرسة على منطقتنا العربية والتي حملت معها كل مشاريع التمزيق وطمس الهوية والتي بات تحقيقها أقرب من حبل الوريد، والمصيبة أن النظام العربي أضحى مستعدا لتمريرها بل ويزايد على بعضه في قبولها تثبيتا للملك وتأكيدا لحسن السلوك·
الحرية مدخل مهم لتقويض دعائم الفساد ورفع الغطاء عنهم، ولكي تأخذ هيئات المجتمع المدني دورها في إصلاح المجتمع، ولكن السؤال هل النظام العربي مستعد لذلك أكثر من استعداده لتقديم التنازلات؟ الوضع حرج ولا يحتمل تأخير الإجابة· |